الموازنة والتجديد لليونيفيل على وقع ضغط إسرائيلي ومطالب أميركا حول جدوى دورها ولبنان يتباطأ في رسالته لمجلس الأمن

لبنان نُصح من قبل فرنسا التي تُجري اتصالاتٍ مكثفةً بألّا تكون اليونيفيل متواجدةً بمهمّاتها السابقة وتوسيع صلاحياتها عبر إعطائها الحرية بالتحرّك من دون مواكبة الجيش اللبناني، مع حقّها بالقيام بمهمّات مختلفة وفق اقتراح عملي بالتجديد لمدّة سنة، لأنَّ لبنان ليس لديه أي حجج أساسية لبقاء اليونيفيل جنوبًا استنادًا لتجربة الأمم المتحدة.
كتبت شهير إدريس لـ”هنا لبنان”:
وسط تجاذب أميركي – فرنسي، قلق وخشية يحيطان بموضوع التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) في ظلّ الضغط الأميركي حيال دور اليونيفيل في الجنوب وحرّية حركته من دون إذن الجيش اللبناني، والمشكلات التي يتعرّض لها من قبل الأهالي أو “الشعب الأصفر” كما يسمّونه نسبةً للون علم “حزب الله”، وتقليص موازنته المرتفعة والتي قد تستدعي خفض عديده الذي يبلغ 10 آلاف.
الاتصالات والتحضيرات جارية بين دوائر القرار في مجلس الأمن حول كيفية معالجة ميزانية هذه القوات التي تبلغ قرابة 530 مليون دولار أميركي سنويًا وإمكانية خفض عديدها. وزيارة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جانين هينيس بلاسخارت إلى إسرائيل تصبّ أيضًا في هذا الاتجاه، حيث تبحث مع المسؤولين الإسرائيليين أيضًا في تنفيذ القرار 1701 وكيفية نزع سلاح حزب الله خوفًا من المطالبة بإنهاء مهام اليونيفيل بعد مطالبات عديدة من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة النظر في دورها وجدوى استمرار عملها جنوبي لبنان. إلى جانب ضغط وانزعاج إسرائيلي واضح بضرورة نقل ولايتها من الفصل السادس إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يمنحها صلاحيات استخدام القوة عند الضرورة بدلًا من دورها الرقابي. وأبدت إسرائيل امتعاضها أيضًا من لقاء بلاسخارت مع مسؤول الأمن والارتباط في حزب الله وفيق صفا مؤخرًا. وكشفت مصادر مطّلعة لموقع “هنا لبنان” أنَّ أحد التقارير الإسرائيلية قال إنَّ أحد أسرى حزب الله المعتقلين حديثًا أكّد أنَّ الحزب كان يقدّم “رشوةً لليونيفيل” لتمرير السلاح عبر الحدود.
يتحضّر مجلس الأمن من ضمن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في حزيران الجاري لمناقشة موازنة تمويل قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان، لكن حتّى الساعة لم يُعلن عن موعد الجلسة، بعد أن قدم الأمين العام أنطونيو غوتيريش تقريرًا حول هذه الموازنة في شباط الماضي (من 1 تموز 2025 إلى 30 حزيران 2026) وذلك تمهيدًا للجلسة التي ستعقد نهاية شهر آب لتجديد ولاية هذه القوات. فهل ستوقف واشنطن دفع حصتها في هذه الموازنة جرّاء نهج ترامب الجديد بخفض مدفوعات الخزانة الأميركية؟
هذا هو السؤال الذي يشغل بال الدول المشاركة. أمّا لبنان الغارق في أزماته الداخلية فينتظر مساعدة اليونيفيل للجيش على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، إضافة إلى تشكيل اللجنة الرسمية المولجة بصياغة الرسالة الرسمية إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة والمتعلقة بالتجديد لقوات اليونيفيل من دون أي تعديل والانسحاب الإسرائيلي الكامل واستعادة الأسرى بحسب ما تمّ الاتفاق عليه بين الرؤساء الثلاثة، خصوصًا أنَّ الرئيس نبيه بري أكّد أنه مع اليونيفيل ظالمة أو مظلومة.
وأكدت مصادر دبلوماسية لموقع “هنا لبنان” أنَّ اللجنة برئاسة وزير الخارجية يوسف رجّي وعضوية ممثلين عن رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة ووزارة الدفاع والجيش اللبناني اكتمل نصابها تقريبًا، فيما بقي اسم ممثل رئيس الحكومة والذي لم يحدّد بعد بسبب تأخر الرئيس نوّاف سلام في بتّ هذا الموضوع قبل عطلة عيد الأضحى من دون تعليل الأسباب، فيما كان الوزير رجّي ينوي عقد اجتماع للجنة قبل العيد لدراسة مسألة الموازنة والتجديد لليونيفيل.
وأشارت المصادر إلى أنَّ لبنان نُصح من قبل فرنسا التي تُجري اتصالاتٍ مكثفةً بألّا تكون اليونيفيل متواجدةً بمهمّاتها السابقة وتوسيع صلاحياتها عبر إعطائها الحرية بالتحرّك من دون مواكبة الجيش اللبناني، مع حقّها بالقيام بمهمّات مختلفة وفق اقتراح عملي بالتجديد لمدّة سنة، لأنَّ لبنان ليس لديه أي حجج أساسية لبقاء اليونيفيل جنوبًا استنادًا لتجربة الأمم المتحدة. فيما الولايات المتحدة تريد التمديد لقوات اليونيفيل لمهلة نهائية تتراوح ما بين ستة أشهر وسنتين على أن تنتهي مهامّها بعد ذلك. وبرأي الإدارة الأميركية التي تراهن على تحسّن الأمور في لبنان فإنَّ هذه المهلة تسمح بانتشار الجيش اللبناني الذي سيشكّل بديلًا عن “القبعات الزرق” ويمكن تحويل التمويل له لتدريبه وتعزيز قدراته العسكرية. أمّا قوات اليونيفيل التي لديها شرعية استثنائية لكونها أحد الأطراف الخمسة في اللجنة المكلفة بالإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار فقد اقترحت في حال خفض عديدها أن يُستعاض عنها بتعزيز العتاد عبر وسائل إلكترونية وتكنولوجية حديثة كالمسيّرات وأبراج المراقبة. وهي لا تزال تُواصل دعمها وتنفيذها لمبادرات صحية واجتماعية لأهالي الجنوب لتعزيز الروابط في المجتمع المحلي الذي يعارض تواجدها باستمرار في بعض القرى التابعة لسيطرة حزب الله.
يتّكل لبنان في مسألة موازنة اليونيفيل والتجديد لها على فرنسا التي لديها عدد كبير من عناصرها في عِداد هذه القوات، كما أنَّ فرنسا تضع مسوّدة القرار وقد يكون فيها مقترحات جديدة. وتقول المصادر إنَّ هناك نقاشًا جديًا بهذا الخصوص حيث تقوم فرنسا الداعمة للبنان بالاتصالات مع الدول المعنية ولا سيما منها الصين المعترضة على مسألة الموازنة وتقول: “إنَّ قوات حفظ السلام في العالم ستطالب أيضًا بميزانية أكبر في حال أعطيت الموازنة لقوات اليونيفيل في لبنان”، إضافةً إلى الاتصالات والمشاورات الجدّية مع الدول الأوروبية وأبرزها إيطاليا التي يبلغ عديد قواتها الأكبر (1098 عنصرًا). وأوّل الغيث من الدعم الأوروبي للبنان قد ظهر عبر تعيين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجنرال الإيطالي ديوداتو أباغنارا قائدًا جديدًا لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان.
وفي هذا السّياق، ينتظر لبنان الذي ينفّذ دوره بالكامل جنوبًا، الموقف الأميركي الذي ستحمله الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس أو من سيحلّ مكانها حيال طرح تعديل مهام اليونيفيل أو خفض عديدها ووقف تمويلها. وبالتزامن أيضًا يقوم لبنان عبر رئاساته الثلاث بحملةٍ مكثفةٍ ويقدمون لزوّارهم من الدول المعنية الموقف الموحّد حيال هذا الأمر، كما تقوم وزارة الخارجية بتكثيف التواصل دبلوماسيًا مع الدول كافة بشأن التمويل والتجديد للقوات الدولية لمساعدة الجيش اللبناني على تحقيق الأمن والاستقرار.
فهل ستمر استحقاقات إعادة التمويل والتجديد لمهام اليونيفيل في حزيران وآب بسلام من دون أي مشكلات؟.