ترامب وماسك: صراع النّفوذ على أميركا


خاص 10 حزيران, 2025

الصراع ينعكس على مستقبل برامج استراتيجية أميركية في الشرق الأوسط والفضاء والطاقة، حيث تلعب شركات ماسك دورًا محوريًا في مشاريع تمتدّ من الخليج إلى أوروبا. وفيما تراهن واشنطن على انتقال الطاقة والذّكاء الاصطناعي، تبدو هذه المعركة وكأنها تقوّض الأسس التي بنتها أميركا لتنافس الصين وروسيا.

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

في مشهدٍ غير مسبوقٍ من تاريخ الصدامات بين رجال السياسة وكبار روّاد الأعمال في الولايات المتحدة، يتفجّر صراعٌ مفتوحٌ بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، في معركةٍ باتت تتجاوز الشخصي والسياسي، لتُهدّد توازن السلطة والنفوذ في النظام الأميركي. هذا الاشتباك المُتصاعد لا يتعلّق فقط بخلافات إيديولوجية، بل بتركيبة السلطة الحديثة التي باتت تتحكّم بها المصالح الكبرى أكثر من المؤسسات التقليدية.

بدايات العلاقة بين الرجلَيْن كانت أقرب إلى تحالف مصالح. ماسك، عبر شركاته “تسلا” و”سبيس إكس”، استفاد من مناخ السياسات الاقتصادية خلال ولاية ترامب، ومن دعم مباشر وغير مباشر عبر إعفاءاتٍ وعقودٍ حكوميةٍ تخطّت قيمتها عشرات المليارات. في المقابل، قدّم ماسك دعمًا ماليًا غير مباشر لحملة ترامب الانتخابية، في تموضعٍ بدا للوهلة الأولى جزءًا من صفقة رابحة للطرفَيْن.

لكنّ هذا التقارب سرعان ما انهار. ترامب، في عودته السياسية استعدادًا للانتخابات المقبلة، بدأ يتخذ مواقف حادّة من ماسك، مهدّدًا بإلغاء العقود الحكومية لشركاته، ومُتهمًا إياه بتضخيم نفوذه في القرار السياسي ومحاولة “هندسة الحكومة” عبر مقترحاتٍ مثل إنشاء وزارة للكفاءة الحكومية، التي رُفضت حتّى من داخل الحزب الجمهوري.

الردّ من ماسك لم يتأخّر، إذ شنّ هجومًا رقميًا عبر منصته “إكس”، واتخذ مواقف داعمة لخصوم ترامب داخل الحزب وخارجه، ما فُهم على أنّه دخول مباشر في ساحة الصراع السياسي. كما نُقل عنه دعمه لإجراءات تشريعية تهدف إلى الحدّ من نفوذ الرؤساء السابقين في رسم السياسات التجارية. النتيجة: اهتزاز في أسهم “تسلا”، خسائر تجاوزت 34 مليار دولار من ثروة ماسك، وتراجع في مبيعات الشركة بنسبة تفوق 70%.

الشقّ الاقتصادي من الصراع أعمق من مجرّد أرقام. فقد أعاد طرح تساؤلاتٍ حول دور القطاع الخاص في رسم السياسات العامّة، وحول التداخل الحادّ بين النفوذ المالي والنظام السياسي. كما أنّ العلاقة المهتزّة بين أكبر رجل أعمال في أميركا وأحد أبرز رموزها السياسية تهدّد الثقة في مناخ الاستثمار الأميركي، خصوصًا لدى الحلفاء الدوليين.

ردود الفعل السياسية لم تتأخّر. فقد وصف السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز هذا النزاع بأنّه “علامة واضحة على تحوّل الولايات المتحدة إلى أوليغارشية مقنّعة”، فيما عبّر الجمهوري المعتدل ميت رومني عن قلقه من تحوّل السياسة الأميركية إلى رهينة “مزاج رجال الأعمال أصحاب النفوذ”. هذه المواقف تعكس مدى خطورة ما يشهده المشهد الأميركي من تآكلٍ في حدود الفصل بين السلطة الاقتصادية والسلطة التنفيذية.

أمّا على مستوى الرأي العام، فأظهرت استطلاعات أجراها “Pew Research Center” في أيار 2025 أنّ 62% من الأميركيين يعتقدون أن شركات التكنولوجيا الكبرى باتت تؤثّر “بشكلٍ مفرطٍ وخطيرٍ” في السياسة، فيما رأى 48% أنّ ترامب “يستخدم نفوذه الانتخابي لتصفية حسابات شخصية”، وعبّر 35% من الناخبين المستقلين عن قلقهم من تحوّل السلطة إلى أداة في يد أصحاب الشركات الكبرى، ما يهدّد الديمقراطية.

الأبعاد الجيوسياسية لا تقلّ أهمية. فالصراع ينعكس على مستقبل برامج استراتيجية أميركية في الشرق الأوسط والفضاء والطاقة، حيث تلعب شركات ماسك دورًا محوريًا في مشاريع تمتدّ من الخليج إلى أوروبا. وفيما تراهن واشنطن على انتقال الطاقة والذّكاء الاصطناعي، تبدو هذه المعركة وكأنها تقوّض الأسس التي بنتها أميركا لتنافس الصين وروسيا. وقد عبّرت دوائر دبلوماسية أوروبية عن قلقها من أنّ عدم الاستقرار السياسي الأميركي قد يؤثر في اتفاقيات الشراكة التكنولوجية العابرة للأطلسي.

ليست هذه معركة على سلطة أو سياسات فقط، بل على شكل النّظام نفسه. هل تبقى الديمقراطية الأميركية محكومةً بمؤسساتها المُنتخبة، أم تتفكّك أمام تمدّد مصالح النّخب؟ سؤال تطرحه معركة ترامب وماسك، وهو ما سيبقى مفتوحًا إلى أن تحسمه صناديق الانتخابات، أو تُعيد موازين القوى ترتيب معادلة السلطة بين البيت الأبيض ووادي السيليكون.

 

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us