سَقط خامنئي عندما سَقط الأسد


خاص 19 حزيران, 2025

من سخريات القدر أنّ إيران التي دفعت المليارات وأراقت دماء الآلاف من المقاتلين الإيرانيين واللبنانيين والسوريين ومن حَمَلة الجنسيات المختلفة، سعيًا إلى الحفاظ على نظام وموطئ قدم لها في سوريا، قد خسرت كل شيء هناك، فيما يثبّت النظام الجديد أقدامه.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

أمضت إسرائيل شهورًا في القتال حتى تمكنت من إضعاف “حماس”. لكنّها أمضت أسابيع عدّة حتى أضعفت “حزب الله”. وفي أيامٍ قليلةٍ، بل ساعات، سقط الأسد في سوريا. ومع أنّ المعارضة السورية هي التي أنجزت هذا السقوط، فإنّه لم يكن واردًا قبل أن تنفذ إسرائيل ضرباتها الحاسمة في لبنان وغزة.

اعتمدت إسرائيل تكتيك التصفيات المتدرّجة للقضاء على المِحور الإيراني. فقد تخلّصت من الأذرع أولًا، ثم وصلت إلى الرأس، وهي تتفرّغ له اليوم بمساعدة الولايات المتحدة والغرب. وللمرة الأولى، لا تتحرّك أذرعه، من “حزب الله” إلى “حماس” إلى الحوثيين من أجل مساندته، ولا تكاد تُسمع أصواتها، ما يؤشر إلى نجاح تكتيك “التقسيط المريح”.

الخبراء يولون أهميةً خاصةً للفصل الأخير من عملية قطع الأذرع، أي سقوط الأسد. ويرون أنّ هذا السقوط يمثّل لإسرائيل خدمةً تفوق بأهميتها ضرب “حزب الله”، ولو كان هو أقوى التنظيمات المسلحة العاملة برعاية طهران. فنظام الأسد كان الحلقة الأكثر تأثيرًا في مشروع إيران الذي أوصلها إلى أن تكون على تماسٍ مع إسرائيل، على حدود سوريا ولبنان وغزّة، ومنحها الموقع الفاعل على بوّابة المتوسط وأوروبا.

لقد وزّّع الإيرانيون الأدوار والمهمات بين أذرعهم، كلّ وفق ظروفه. فـ”الحزب” للمهمات القتالية من لبنان وسوريا إلى كامل بقعة الشرق الأوسط، و”حماس” للإمساك بورقة فلسطين واجتذاب السُنّة إلى الثورة الإسلامية، وأمّا الحوثيون فمتفرغون لخاصرة الخليج العربي.

وأمّا نظام الأسد فكان قبل اندلاع الحرب في سوريا يتولّى مهمّاتٍ حيويةً وحسّاسةً، وأهمها تأمين الترابط بين الحلفاء وإيصال طهران إلى حدود إسرائيل وتركيا والمتوسط. كما تولّى توفير الدعم لـ”حزب الله” حتى بلغ القوة التي تمتع بها ذات يوم، ومنحه النفوذ داخل السلطة في لبنان. وعندما اضطرّ الأسد إلى الخروج من لبنان عام 2005، أورث “الحزب” نفوذه. وردّ “الحزب” له هذا الجميل بالقتال في سوريا دعمًا لنظامه بدءًا من عام 2011.

بعد العام 2015 وإدخال الروس قواتهم إلى سوريا منعًا لسقوط النظام، بدا للبعض وكأنّ الأسد قد فكّ ارتباطه بمِحور طهران وانضوى في حضانة موسكو. لكنّ هذا التقدير لم يكن دقيقًا. وتحت الرعاية الروسية، بقي الأسد يؤمّن الدعم اللوجستي للمحور من طهران إلى بغداد فبيروت. وبقيت إسرائيل لسنوات تشنّ غاراتها الجوية تحديدًا في الداخل السوري، مستهدفةً ترسانة إيران و”حزب الله” وتُلاحق الكوادر.

اليوم، بوصول إسرائيل إلى الحلقة الأخيرة من مخطّطها لضرب المشروع الإيراني، تتجنّب أذرع إيران الانضمام إلى الحرب، لاقتناعها بانعدام فرص النجاة أمامها. والسبب الأساسي في ذلك هو انقطاع الجسر في سوريا. وفي الواقع، بقي “حزب الله” يأمل استعادة شيء من موقعه، إلى أن سقط الأسد.

وللدقّة، في المرحلة الأولى، ربّما بقي لـ”الحزب” رهان وحيد، ولو كان ضعيفًا، وهو حصول انقلاب أو تغيير معيّن في الداخل السوري يسمح بعودة عقارب الساعة إلى الوراء. لكنّ الأمور سارت عكسيًا. ومحاولة “استعادة الأنفاس” التي تمّت تجربتها في الساحل السوري، بأكلافٍ دمويةٍ، فشلت، فيما وصلت الموسى الإسرائيلية هذه المرة إلى الرّأس في طهران.

ويقول بعض الخبراء إنّ سقوط الأسد تحديدًا هو الضربة التي دكَّت فعلًا أسوار المِحور الإيراني، وإنّ المرشد علي خامنئي سقَط فعلًا يوم سقَط الأسد. وحتّى على المستوى التقني، الأرجح أنّ حكومة بنيامين نتنياهو اعتبرت نفسَها جاهزةً لضرب إيران في لحظة سقوط الأسد.

فإسرائيل لطالما واجهت مأزق المسافة الفاصلة عن المواقع التي تريد استهدافها في إيران، لأنّ دول الخليج العربي ترفض تزويد مقاتلاتها بالوقود في هذه المهمّة. وأما اليوم، فعلى الأرجح، هي تستغلّ قدرتها على التحرك جوًّا فوق الأراضي السورية الشاسعة، لتقليص المسافة. وللتذكير، هي دمّرت بشكلٍ مُمنهجٍ ودقيقٍ كل الدفاعات الجوية هناك.

إذًا، من سخريات القدر أنّ إيران التي دفعت المليارات وأراقت دماء الآلاف من المقاتلين الإيرانيين واللبنانيين والسوريين ومن حَمَلة الجنسيات المختلفة، سعيًا إلى الحفاظ على نظام وموطئ قدم لها في سوريا، قد خسرت كل شيء هناك، فيما يثبّت النظام الجديد أقدامه. وهكذا، تتلاشى الإمبراطورية التي نشأت ذات يوم، واعتقدت أنها ستحكم الشرق، من ثلوج زغروس إلى أمواج المتوسط.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us