بين التّصعيد والتّهدئة: مصير الشّرق الأوسط في يد ترامب!


خاص 19 حزيران, 2025

المنطقة كلّها تخشى، نتيجة تجارب سابقة، من فكرة تغيير الأنظمة بالقوّة، لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى فتح أبواب جهنّم على مختلف الأنظمة في العالم، فالضّربة الأولى كانت قاسيةً جدًّا على إيران، الّتي فاجأت الجميع بخروجها منها. وبما أنّ الشّعب لم ينتفض على الحُكم، ولم يحصل انقلابٌ أو إسقاطٌ للنّظام بالقوّة، فقد يلجأ أعداؤها إلى احتمالات أخرى.

كتب إيلي صروف لـ”هنا لبنان”:

على وقْع الهجمات الموجعة والتّهديدات المتبادلة والاستفزازات المتزايدة، يَجرُّ التّصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران منطقة الشّرق الأوسط إلى فوهة بركان، قد يُسبّب ثورانه حربًا إقليميّةً أو حتّى دوليّة، لا يمكن التنبّؤ بموعد انتهائها. بركانٌ وحده الرّئيس الأميركي دونالد ترامب قادرٌ على ضبط حُمَمه، إذا كان مزاجه مناسبًا!

عندما دقّت ساعة اليوم الواحد والستّين، بعد مهلة الستّين يومًا الّتي منحها سيّد البيت الأبيض لإيران للتوصّل إلى اتفاقٍ حول برنامجها النّووي، وقبل يومَيْن من موعد الجولة السّادسة من المفاوضات الأميركيّة – الإيرانيّة في مسقط، أَطلقت إسرائيل نيران “الأسد الصّاعد” على الجمهوريّة الإسلاميّة، فاخترقت مجالها الجوّي وشنّت هجومًا استباقيًّا مُفاجئًا طال عشرات المواقع العسكريّة، من بينها أهداف نوويّة ومراكز قيادة للحرس الثّوري؛ بذريعة تدمير البرنامج النّووي الإيراني.

إيران الّتي أعلن مسؤولوها مرارًا أنّ قضيّة تخصيب اليورانيوم غير قابلة للتّفاوض، والّتي مُنيت بمقتل ثلاثة قادة عسكريّين وعددٍ من العلماء وعشرات المدنيّين، ردّت في اليوم نفسه بإطلاق أكثر من 150 صاروخًا على عشرات الأهداف والمراكز العسكريّة والقواعد الجوّيّة الإسرائيليّة، في إطار عمليّة “الوعد الصّادق 3”.

ومنذ 13 حزيران، التّاريخ المفصلي والأكثر دمويّةً في الصّراع بين البلدين، أُطلقت مئات الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة، فباتت تل أبيب وطهران تحت النّار؛ تمامًا كما كان جنوب لبنان وبقاعه والضّاحية الجنوبيّة لبيروت لأشهرٍ مريرة.

ترامب بين التّهديد والتّنفيذ

حَفِلت الأيّام الستّة الأخيرة بجُملةٍ من المواقف والخطابات تعليقًا على التطوّرات الإقليميّة. وبين التّنديد العربي بالهجوم الإسرائيلي على إيران، والدّعم الغربي لـ”حقّ إسرائيل بالدّفاع عن نفسها”، كلّ الأنظار تتّجه صوب الرّئيس الأميركي وما إذا كان سيقرّر انضمام الولايات المتّحدة إلى الحرب والمشاركة مباشرةً بضرب بلاد فارس. فترامب الّذي قال بدايةً إنّه “ليس قلقًا من اندلاع حربٍ إقليميّةٍ بسبب الهجوم”، أشار بعدها إلى أنّ “على إيران وإسرائيل التوصّل إلى اتفاقٍ وسنتوصّل إلى سلامٍ بينهما قريبًا”، قبل أن يحذّر من أنّه “من الممكن أن نتدخّل لمساعدة إسرائيل للقضاء على البرنامج النّووي الإيراني”.

لهجة ترامب تصاعدت تدريجيًّا، فدعا في 17 حزيران الحالي إلى “إخلاء طهران فورًا”، قبل أن يؤكّد أنّ “لدينا الآن سيطرةً كاملةً وشاملةً على سماء إيران”. غير أنّ التّهديد الأقوى والأكثر صراحةً كان بإعلانه “أنّنا نعرف تمامًا مكان اختباء المرشد الإيراني السيّد علي خامنئي. إنّه هدفٌ سهلٌ، ولكنّه آمنٌ هناك، ولن نقضي عليه (نقتله)، على الأقل ليس في الوقت الحالي”، مشدّدًا على أنّ “صبرنا ينفد”، ما زاد من التكهّنات بشأن تدخّلٍ عسكريٍّ أميركيٍّ محتملٍ في المواجهة الإسرائيليّة – الإيرانيّة.

وبالتّزامن مع هذه التّصريحات، ترأس ترامب اجتماعًا لمجلس الأمن القومي لفّه الغموض والترقّب. وعلى الرَّغم من أنّ القناة 12 الإسرائيليّة أشارت ليل الثّلاثاء إلى “تقديراتٍ في إسرائيل بأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة ستنضمّ إلى الحرب ضدّ إيران هذه اللّيلة”، إلّا أنّ ذلك لم يحصل. وترامب الّذي ينطبق عليه القول “عرف قدرَه فتدلّل”، صرّح، أمس الأربعاء، بـ”أنّني قد أقوم بضرب المنشآت النّوويّة الإيرانيّة وقد لا أقوم بذلك، وأنّ الأسبوع المقبل سيكون حاسمًا في ما يتعلّق بإيران”، مطالبًا الأخيرة بـ”استسلامٍ غير مشروط”.

بالتّالي، لا مبالغة في القول إنّ مصير المنطقة في يد ترامب، في ظلّ تهديدات خامنئي من أنّ “خسارة أميركا إذا تدخّلت عسكريًّا، ستكون خسارةً لا يمكن تعويضها”، والتّحذير الّذي أطلقه نائب وزير الخارجيّة الرّوسيّة سيرغي ريابكوف لواشنطن من “خطر تقديم مساعدةٍ عسكريّةٍ مباشرةٍ لإسرائيل أو حتّى مجرّد التّفكير في خياراتٍ استفزازيّةٍ أو افتراضيّةٍ من هذا النّوع”. هذا فضلًا عن إعلان وزير دفاع باكستان -الّتي تمتلك سلاحًا نوويًّا- خواجة محمد آصف، أنّ “إيران لم تقدّم لنا طلبًا بمساعدةٍ عسكريّةٍ، ونحن نراقب الوضع عن كثبٍ وإذا تصاعدت الأمور فسنردّ حتمًا، لكنّنا لا نرى تصعيدًا الآن”.

التّصعيد إلى أين؟

في هذا الإطار، تؤكّد أستاذة العلاقات الدّوليّة في الجامعة اللّبنانيّة الدّكتورة ليلى نقولا، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّه “من الصّعب أن يتمكّن أحدٌ في هذه اللّحظة من تحديد ما إذا كان هناك تصعيدٌ أو تهدئةٌ مرتقبةٌ، لأنّ الموضوع مرتبطٌ بترامب. فخياره بالمشاركة مباشرةً بضرب إيران، سيؤدّي إلى تصعيدٍ قد يوصل إلى حربٍ، لا سيّما إذا أعقبه ردٌّ إيرانيٌّ على القواعد الأميركيّة في المنطقة”، منوّهةً إلى أنّه “في المقابل، فَتَح ترامب في حديثه الأربعاء بابًا للتّهدئة وإعادة التّفاوض، ومعروف أنّه يحاول مرارًا أن يَظهر بأنّه ذهب إلى التّهدئة مع انتصار”.

وعن تداعيات أيّ دخولٍ أميركيٍّ مباشرٍ على خطّ المواجهة مع إيران، وما إذا كان سيؤدّي إلى تصعيدٍ محدودٍ نسبيًّا أم حربٍ إقليميّةٍ أو حتّى دوليّة، تلفت إلى أنّ “النّتائج مرتبطةٌ بالضّربة الأميركيّة، الّتي ستستجلب ردًّا إيرانيًّا. وقد يكون الأخير من خلال توجيه ضربةٍ إلى القواعد الأميركيّة في الخليج، أو مهاجمة سفنٍ حربيّةٍ في باب المندب… الموضوع مفتوحٌ على مختلف الاتجاهات”.

خلال السّنتين الماضيتَين، تمكّنت إسرائيل ومن خلفها الولايات المتّحدة الأميركيّة، من توجيه ضرباتٍ قاصمةٍ لـ”محور المقاومة” في المنطقة، عن طريق إضعاف حركة “حماس” في قطاع غزّة و”حزب الله” في لبنان، بالإضافة إلى توجيه ضرباتٍ مؤلمةٍ لحركة “أنصار الله” في اليمن، بالتّزامن مع إسقاط النّظام السّوري السّابق. والهدف الأبرز على أجندتها لرسم شرق أوسط جديد، هو السّعي لإضعاف النّظام الإيراني أو إسقاطه.

وفي حين تَعتبر نقولا أنّ الهدف الحقيقي للهجوم الإسرائيلي هو إسقاط النّظام الإيراني، فيما يتمّ استخدام ملف تدمير البرنامج النّووي كواجهة، تشير إلى أنّه “إذا كان الهدف الأميركي هو أيضًا إسقاط النّظام الإيراني، فالحرب طويلة. أمّا إذا كان جرّ الجانب الإيراني إلى طاولة المفاوضات لتقديم تنازلاتٍ، فهنا يبرز دور القوى الإقليميّة، الّتي تخشى توسّع رقعة الحرب، لما لذلك من ارتداداتٍ كارثيّةٍ على المنطقة، ولا سيّما على دول الخليج الّتي لديها قواعد أميركيّة ومنشآت حيويّة، وتخاف من إغلاق مضيق هرمز الّذي يُعدّ الممرّ الملاحي الأكثر حيويّةً لنقل النّفط في العالم”.

وتشدّد على أنّ “المنطقة كلّها تخشى، نتيجة تجارب سابقة، من فكرة تغيير الأنظمة بالقوّة، لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى فتح أبواب جهنّم على مختلف الأنظمة في العالم”، مُبيّنةً أنّ “الضّربة الأولى كانت قاسيةً جدًّا على إيران، الّتي فاجأت الجميع بخروجها منها. وبما أنّ الشّعب لم ينتفض على الحُكم، ولم يحصل انقلابٌ أو إسقاطٌ للنّظام بالقوّة، فقد يلجأ أعداؤها إلى احتمالات أخرى”.

وتوضِح أنّ “الموقفَين الرّوسي والباكستاني كانا شديدَي اللّهجة، والصين لن تتدخّل عسكريًّا، لكن من مصلحتها أن تمدّ إيران بمقوّماتٍ تساعدها على إشغال الأميركيّين وتأخيرهم في منطقة الشّرق الأوسط، ما يؤخّرهم بالتّالي عن محاربة بكين ومحاولة احتوائها”.

بدأ الجيش الأميركي بنشر المزيد من الطّائرات المقاتلة في الشّرق الأوسط، وتوسيع نطاق نشر طائرات حربيّة أخرى، مع احتدام الصّراع العسكري بين إسرائيل وإيران، بانتظار “ساعة الصّفر الترامبيّة”. فهل سينجح الأخير في تجنيب المنطقة كارثةً مجهولة المصير والنّتائج، أم أنّ البركان سينفجر ويفرز شرق أوسط جديدًا؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us