محمد فحيلي لـ”هنا لبنان”: لنُحوّل الأزمة إلى فرصة تشبه ما فعلته ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية

في ظلّ التصعيد المتواصل في الشرق الأوسط، تزداد المخاوف من تداعياتٍ جيوسياسيةٍ واقتصاديةٍ خطيرةٍ على لبنان، الذي يرزح أصلًا تحت وطأة أزمةٍ اقتصاديةٍ ومعيشية. في هذا الإطار، اعتبر الباحث لدى كلية سليمان العليّان لإدارة الأعمال (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، محمد فحيلي، في حديث خاص لـ”هنا لبنان”، أنّ أي توتّر في الشرق الأوسط يزيد من سوء المخاطِر الجيوسياسية على لبنان، مشيرًا إلى أنّ هذه المخاطر هي بمثابة “لعنة الجغرافيا ولعنة الاقتصاد”.
وقال فحيلي: “نحن واقعون بين لعنتَيْن: الجغرافيا لأنّنا محاطون بجيران يتصارعون، والاقتصاد لأن لبنان يستورد ما يقارب 70% من استهلاكه، بما في ذلك المواد الأولية التي تدخل في الصناعة المحلية”. وأضاف: “في مثل هذه الظروف، ومع تصاعد المخاطر الجيوسياسية، تزداد كلفة الشحن، وترتفع بوالص التأمين، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني”.
وأشار إلى أن لبنان “صُنِّفَ في آذار 2020 دولةً متعثرةً ائتمانيًا، بعدما قرّر التوقف عن خدمة الدين، ولاحقًا، وعلى الرَّغم من الهجمات الإسرائيلية في أيلول 2024، أُدرج على اللائحة الرّمادية لمجموعة العمل المالي، وصُنّف دولة غير متعاونةٍ في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.
وتابع فحيلي: “مؤسّسات التصنيف الائتماني العالمية ما زالت تؤكّد أنّ لبنان مُتعثّر بعد مرور خمس سنوات، في ظلّ غيابٍ تامٍّ لأي إصلاحات من السلطة التنفيذية منذ عام 2020 حتى اليوم. ومؤخّرًا، وضعه الاتحاد الأوروبي، الذي يُفترض أن يكون صديقًا للبنان، على لائحة الدول العالية المخاطر”.
وشدّد على أنّ “الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، حُكمًا سيكون لها تداعيات اقتصادية كبرى، إلّا أنّه من الصعب وضع رقمٍ دقيقٍ لهذه التداعيات، لأنّ ما يحصل في الاقتصاد هو ما يُعرف بـ”multiplier effect”، حيث تتأثّر كل القطاعات تدريجيًا”.
وأوضح أنّ “كلفة الشحن ستؤثّر في الصناعة والطاقة والزراعة، والسياحة أيضًا في خطر لأنّ كثيرين ألغوا زياراتهم إلى لبنان أو دخلوا في مرحلة ترقّب. كما أنّ رأس المال يخشى من غياب الاستقرار الأمني، ما يعني أنّ أي مستثمر كان لديه الرغبة الفعلية في الاستثمار بعد انتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية ونوّاف سلام رئيسًا للحكومة، قد أعاد النظر اليوم في قراره”.
وعن المشهد السياسي، أكد فحيلي أن “هناك تحدّيًا كبيرًا في تطبيق القرار الأممي 1701، على الرَّغم من التطمينات التي يقدّمها رئيس الجمهورية، إلّا أنّ خطاب قياديي حزب الله لا يزال مختلفًا، فهم مستمرّون في القتال ويرفضون تسليم السلاح إلّا بعد انسحاب إسرائيل الكامل من المواقع الخمسة التي تصرّ الأخيرة عليها”.
أمّا عن الواقع النقدي، فلفت إلى أنه “لم يُسجّل أي تقدم يُذكر، وتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان لم يُحدث أي أثر إيجابي في وضع المصارف. نحن اليوم في لبنان لدينا 25 رجل دولة بين وزراء ورئيس جمهورية، لكن في المقابل هناك 128 رجل سياسة، والمجلس النيابي لا يزال متمسّكًا بمكاسبه السياسية”.
وأضاف: “الرئيس نبيه بري يريد أن يُسمّي القاضي المالي ونائب حاكم مصرف لبنان الأول، ومعظم مكوّنات الطبقة السياسية تتكلّم بلغة المكاسب والنفوذ. وهذا يعني أن النظام البرلماني لم يعد يُساعد السلطة التنفيذية، بل يعطّلها ويمنعها من تحقيق أي إنجاز”.
وعن مشاركة لبنان في اجتماعات “الربيع” للبنك الدولي وصندوق النقد، قال فحيلي: “على الرَّغم من وجود لبنان في الاجتماعات، فإنّ كل ما تحقّق لم يتعدَّ الجانب الدبلوماسي. لم تكن هناك أي إنجازات فعلية”.
أمّا فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، فرأى فحيلي أن “التعثر في هذا الملف ليس سببه ضعف أو إهمال السلطة التنفيذية، بل لأنّ موقع لبنان اليوم يُشبه إلى حدٍّ بعيدٍ ما عاشته ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. لكنّ ألمانيا أخذت مخاوفها وحوّلتها إلى فرصٍ، وبدأت تستثمر في الصناعة حتى أصبحت من أكبر الدول الصناعية في العالم”.
وأضاف: “لبنان اليوم تحت الرقابة الأميركية – الإسرائيلية، ويمكنه رفع منسوب الخطاب الوطني كما يشاء، لكنّه في النهاية مُلزم بتنفيذ ما تريده الولايات المتحدة، والتي تتماشى في الغالب مع ما تريده إسرائيل”.
وختم فحيلي حديثه برسالةٍ مباشِرةٍ إلى السلطات اللبنانية: “أقول لهم دعونا نحوّل هذا التحدّي إلى فرصة. افتحوا آفاقًا اقتصاديةً واجتماعيةً تلبّي طموحات الشباب. لا يمكننا أن نبني بلدًا لِمن هم في السبعين والثمانين من عمرهم، بل علينا أن نبنيه لِمن هم في الخامسة والعشرين والثلاثين، ليبقوا هنا ويربّوا أولادهم في وطنٍ يشبههم لا يشبه شيوخنا. علينا أن نفكّر بالسلام والصناعة وبصورة لبنان على الصعيد الدولي، لأنّ الصورة الجيدة لا تُقاس بمعاييرنا، بل بمعايير المجتمع الدولي”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() طوني عيسى لـ “هنا لبنان”: إيران تُركت وحيدة… و”الحزب” غير قادر على شنّ الحرب | ![]() قوى الأمن: تحية لكل أب يناضل بصمت | ![]() بالصور: الجيش الإسرائيلي يكشف عن مقتل اثنين من كبار القادة الإيرانيين |