“داعش” يُطلّ برأسه مجدّدًا… استهداف الكنيسة في سوريا رسالة بأكثر من بُعد


خاص 24 حزيران, 2025

تنظيمَ “داعش” قد لا يقف عند حدود استهداف المسيحيّين في سوريا، بل قد يتعدّى هذا الأمرَ إلى استهداف دورِ عبادة أُخرى وطوائف أُخرى، في مسعًى لتهديد السِّلم الأهليّ في البلاد.


كتبت إليونور أسطفان لـ”هنا لبنان”:

لم تتمكّن الضربات الأميركيّة التي استهدفت إيرانَ، فجرَ الأحد، من حجبِ الأنظارِ عن الانفجارِ الانتحاريّ الذي استهدف كنيسةَ مار إلياس في دمشقَ، والذي أدّى إلى سقوطِ العشراتِ بين قتلى وجرحى.

هذا التفجيرُ الإرهابيّ، الذي يُعتبر الأوّلَ من نوعه عقب سقوط نظام الرئيس السوري بشّار الأسد، يُعدّ تحوّلًا عظيمًا على صعيدِ الساحةِ الدوليّةِ، خصوصًا أنّه يتزامن مع الحربِ على إيرانَ، على وقعِ توقّعاتٍ بردٍّ إيرانيّ خارجَ الحدود على استهدافها.

فماذا يعني عودةُ “تنظيمِ الدولةِ الإسلاميّة” إلى الظهورِ مجدّدًا في سوريا، ولماذا استهدافُ المسيحيّين؟

ممّا لا شكَّ فيه أنّ عودةَ تنظيمِ “داعش” إلى الساحةِ في سوريا، واستهدافَه للمسيحيّين، يحملُ أبعادًا ودلالاتٍ خطيرةً عدّةً، إنْ على الساحةِ السياسيّةِ أو الأمنيّةِ أو حتّى الدينيّة. وهو إنْ دلّ على شيءٍ، فعلى فشل أكبر دول العالم في القضاءِ على هذا التنظيم بشكلٍ نهائيّ، خصوصًا أنّه تمكّن من إعادةِ تنظيمِ نفسه عقب سقوطِ النظامِ السوري في مناطقَ معيّنةٍ في سوريا، مثل الباديةِ السوريّةِ ومناطقِ شمالِ شرقِ البلاد. وما جرى ليلَ الأحد ما هو إلّا دليل قاطع على قدرةِ التنظيمِ على إعادةِ تنفيذِ عمليّات نوعيّة ذاتِ طابعٍ طائفيّ – وهو تكتيكٌ استخدمه سابقًا لإثارةِ الفتنة الطائفيّة وزعزعة الاستقرار.

هذا من الناحيةِ الأمنيّة، أمّا من الناحيةِ السياسيّة، فلا شكّ أنّ تفجيرَ الكنيسةِ في دمشق حمل أكثرَ من رسالةٍ إلى الداخلِ والخارجِ السوريّ على حدٍّ سواء؛ فالتنظيمُ يحاول التأكيدَ أنّه لا يزال طرفًا موجودًا في المعادلةِ السوريّة، على الرَّغم من سنواتٍ من الضرباتِ العسكريّةِ، وهو تقصّدَ استهدافَ المسيحيّينَ لإحراجِ النظامِ السوريّ والقوى الكرديّة في الموضوعِ الأمنيّ والقدرة على حمايةِ الأقليّات داخل سوريا. كما أنّ لهذا الاستهدافِ رسائلَ للخارجِ، وللقوى التي تدّعي السيطرةَ على الوضعِ في سوريا وتتغنّى بها أمامَ المجتمع الدوليّ، وهو جاء ليؤكّدَ أنّ الوضع ليس بهذه السهولة، وأنّه قادر على زعزعته في أيّ وقتٍ يريد.

كما أنّ هذا التنظيمَ، وعبرَ التاريخ، تمكّن من اللعبِ على الوترِ الطائفيّ لتأجيجِ الصراعاتِ، ولا سيّما بين الأقليّاتِ في الشرق، وهو تمكّن من استغلالِ التنوّع الدينيّ والطائفيّ في سوريا والعراق لهذه الغاية، ما دفع إلى جرّ المجتمعاتِ نحو الاقتتالِ الطائفيّ أو التعصّبِ الأعمى. ولعلّ المسيحيّين، بعد سقوطِ النظامِ السوريّ، كانوا الطائفةَ الأكثرَ خوفًا على تواجدِهم، بعد أن أُوهموا بأنّ النظامَ هو من يحميهم، وبالتالي فإنّ استهدافَهم اليوم هو إعادةُ إحياءٍ لخطاب الكراهيّة الدينيّ، ومسعًى لإعادة الخوف إلى نفوسِهم من عدم قدرة النظام الحاليّ على حمايتِهم، على الرَّغم من أنّهم كانوا في العام 2011 قد تعرّضوا لانتهاكاتٍ مشابهةٍ عجزَ النظام حينها عن وقفِها.

ومن هنا، تشير مصادرُ سوريّةٌ عبرَ “هنا لبنان” إلى أنّ المسيحيّين باتوا اليومَ أكثرَ خوفًا على وجودِهم في سوريا، وباتت الهجرة واحدةً من أولى الحلولِ المطروحةِ أمامهم، مشيرةً إلى أنّ المطلوبَ اليومَ من النّظام الجديد العمل على طمأنةِ الشريكِ المسيحيّ على أنّ هذه الأرضَ هي لجميعِ أبناءِ سوريا من دون استثناءٍ أو تفريقٍ، ما قد يُعيد بعضَ الطمأنينةِ إلى نفوسِ السوريّين، مع التشديدِ على ضرورة ضبط الأمن أمامَ دورِ العبادة لمنعِ تكرارِ هكذا حوادث.

ولفَتَتِ المصادرُ إلى أنّ تنظيمَ “داعش” قد لا يقف عند حدود استهداف المسيحيّين، بل قد يتعدّى هذا الأمرَ إلى استهداف دورِ عبادة أُخرى وطوائف أُخرى، في مسعًى لتهديدِ السِّلمِ الأهليّ في البلاد.

إذًا، عودةُ “داعش” واستهدافُه للمسيحيّين ليس فقط مؤشّرًا إلى وجودِ التنظيم، بل هو أيضًا إنذار بانهيارٍ أمنيٍّ محتملٍ، ومحاولةٌ لإحياءِ مشروعٍ فوضويٍّ دمويٍّ طائفيٍّ في سوريا، قد يستغلّ غيابَ الحلول السياسيّة والفراغات الأمنيّة، لينموَ كالطفيليّات ويُهدّد أمنَ مجتمعٍ يطمح إلى بعضٍ من الحريّة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us