“هرمز” تحت النار: إيران تلوّح والعالم يترقّب

ستتأثّر دول الخليج التي تعتمد على المضيق، على الرَّغم من وجود خطوط بديلة. أمّا لبنان، فسينعكس عليه ارتفاع أسعار النفط بشكل مباشر، في ظلّ هشاشة اقتصاده واعتماده الكامل على الاستيراد.
كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:
مع تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران، عاد “مضيق هرمز” إلى الواجهة كورقة ضغطٍ إيرانية قد تغيّر مسار الصراع في المنطقة، وتهدّد استقرار أسواق الطاقة العالمية. فبعد غاراتٍ إسرائيليةٍ استهدفت مواقع نووية إيرانية، ارتفعت حدّة التصريحات في طهران، وتزايد الحديث عن إغلاق المضيق – الشريان الذي تمرّ عبره نحو 20% من صادرات النفط العالمية.
التهديد ليس جديدًا، إذ استخدمته إيران مرارًا منذ الثمانينيّات، لكنّه اليوم يأتي في لحظةٍ حساسةٍ، تُزاوج بين التصعيد الأمني وتآكل التفاهمات النووية، في ظلّ موقفٍ أميركيّ داعمٍ لإسرائيل، وصمتٍ دوليّ يكتفي بالقلق.
المضيق لا يخصّ إيران وحدها. إنّه نقطة عبور حيوية للسعودية، الإمارات، قطر، والعراق. وتوقيف الملاحة فيه، حتى موقتًا، يعني قفزةً فوريةً في أسعار الطاقة، وتعطيل سلاسل التوريد العالمية. وهذا ما حدث فعلًا: فقد ارتفع سعر برميل النفط إلى أكثر من 81 دولارًا فور تصاعد التهديد، وسط توقّعات بتجاوزه 110 دولارات في حال الإغلاق الكامل.
لكن المخاطِر لا تقتصر على الطاقة. فارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، وعرقلة التجارة البحرية، ستؤدي إلى زيادةٍ في أسعار الغذاء، الأدوية، والمعدّات الصناعية. بعض الدول ستتراجع موقتًا عن سياسات التحوّل الأخضر، وتعود لاستخدام الفحم والنفط لتأمين استقرارها الطاقوي.
الولايات المتحدة ردّت بسرعة، مُعتبرةً أن أي محاولة إيرانية لإغلاق المضيق تمثّل “انتحارًا اقتصاديًا”، وأرسلت تعزيزاتٍ بحريةً إلى المنطقة. في الوقت نفسِه، كثّفت اتصالاتها مع الصين للضغط على طهران، فيما دخلت سلطنة عُمان على خط الوساطة، بحكم موقعها الجغرافي وسجلّها الدبلوماسي الوسيط.
في المقابل، تَعي إيران أنّ أي تصعيد مباشر قد يؤدّي إلى مواجهةٍ عسكريةٍ واسعةٍ، وضررٍ اقتصاديّ ذاتيّ. فإغلاق المضيق لا يضرّ خصومها فقط، بل يمنع صادراتها النفطية أيضًا، ويعرّضها لعقوبات أشدّ. لذلك، من المرجّح أن تلجأ طهران إلى استراتيجية “الردع دون الانفجار”: أي التلويح بالخطر ورفع كلفة التوتّر من دون تنفيذ فعلي.
لكن التهديد بحدّ ذاته بات نمطًا متكرّرًا. وإذا استمرّ، حتى من دون تنفيذ، قد يدفع شركات الشحن العالمية إلى تغيير مساراتها الدائمة، ما يُفقد الخليج ثقله كممرّ تجاري مستقر. كما لا يُستبعد أن تلجأ إيران إلى استخدام وكلائها، مثل الحوثيين، لفتح جبهةٍ بحريةٍ بديلةٍ في البحر الأحمر، تُضعف أمن الملاحة وتُضاعف الضغط من دون صدام مباشر.
إقليميًّا، ستتأثّر دول الخليج التي تعتمد على المضيق، على الرَّغم من وجود خطوط بديلة. أمّا لبنان، فسينعكس عليه ارتفاع أسعار النفط بشكل مباشر، في ظلّ هشاشة اقتصاده واعتماده الكامل على الاستيراد. وقد يؤدّي ذلك إلى المزيد من أزمات الكهرباء والنقل، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
الرسالة الإيرانية ليست فقط لإسرائيل، بل للعالم بأسره: إذا استمرّ التصعيد، فستطال تداعياته الجميع. أمّا الاتفاق النووي، فقد بات أكثر بُعدًا من أي وقت مضى، وسط انقسامٍ داخليّ في إيران بين تيار المواجهة وتيار الانفتاح.
في المشهد العام، يبدو هرمز اليوم أكثر من ممرّ بحري. إنّه مقياس لتوازن القوى، ومؤشر إلى مدى قدرة النظام الدولي على احتواء الأزمات قبل أن تتدحرج نحو مواجهةٍ شاملة. وبين التلويح بالقوّة والرهان على الردع، يبقى العالم في حالة ترقّب… يتحسّس أمن الطاقة، ويحسب خطواته عند بوابة الخليج.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() الإشعاع الصامت… والكارثة القادمة؟ | ![]() ترامب وماسك: صراع النّفوذ على أميركا | ![]() لبنان على طريق التحوّل الرقمي |