إيران راجعة إلى النووي وإسرائيل إلى الحرب

إذا أصرّ الإيرانيون والإسرائيليون على مواقفهم الضمنية الحقيقية، وبقي كل من الطرفين متشبثاً بتحقيق المكاسب الكبرى، فإنّ عودة الحرب ستكون مؤكدة. وفي الأساس، ما تم الاتفاق عليه هو فقط “وقف للنار” وليس “إنهاء للحرب”، تماماً كما هو أمر الاتفاق في لبنان. وفي هذه الحال، سيكون الآتي أعظم، لأن طرفي الحرب الأساسيين يعتبران نفسيهما في حرب “حياة أو موت”
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
الطريف في الحرب الأخيرة أنّ المتصارعين جميعاً يرفعون شارة النصر: خامنئي لا يعترف بهزيمة في أي حال، ونتنياهو فخور بإنجازاته، وترامب يغضب من تشكيك CNN بفاعلية الهجمات، ويقول متباهياً: دمرنا النووي بضربة عسكرية تعتبر من الأنجح في التاريخ.
ولكن، بمعزل عن مدى الدقة في ما أوردته CNN، المعروفة بخصومتها لترامب، فإن النظام الإيراني، عندما أعلن موافقته على وقف النار، كان بالتأكيد يفكر في الصيغة المناسبة للتنصل من أي التزامات تجبره على وقف التخصيب، لأنّ بناء الترسانة النووية هو هدفه الأسمى.
وهذا السلوك الإيراني معروف. فبعدما وقّعت طهران اتفاق فيينا في العام 2015، عمدت إلى التنقيب عن أي ثغرة أو نقطة غامضة فيه واتخذت من ذلك ذريعة للاستمرار في بناء قدراتها النووية. وهي استغلت رفع العقوبات عنها والإفراج عن بعض الأرصدة لتمويل برنامجها النووي وصواريخها وأذرعها في الشرق الأوسط.
لكن ترامب نفسه بدا يوم أمس محتاطاً لمراوغة إيران. فقد هددها بضربات أشد شراسة، إذا أخلَّت بتعهداتها وحاولت استئناف البرنامج. فالجميع يعرف أن النظام الإيراني بارع في خوض غمار المفاوضات، وتاريخه حافل في استخدام تكتيكات المناورة، بالتمييع وكسب الوقت وإطالة أمد المفاوضات، واستغلال الثغرات والغموض في النصوص، أو ربط التنازلات المطلوبة منه بمطالب كبيرة مقابلة، ما يعطل التوصل إلى اتفاق شامل.
والأرجح هو أنّ النظام الإيراني سيناور في هذه الفترة ليخفي سعيه إلى استئناف العمل ببرنامجه النووي، في موازاة رفع العقوبات وتخفيف الضغط الدولي عنه. وهذا التكتيك سيثير غضب إسرائيل ويدفعها إلى الإعلان عن فشل المسار الدبلوماسي في تحقيق الهدف الأساسي، أي تعطيل النووي الإيراني الذي يعتبر أمراً وجودياً لها، وتالياً، سيبرر حتمية عودتها إلى الخيار العسكري، تحت عنوان أنها مضطرة إلى الاعتماد على نفسها وضمان أمنها “بيديها”، بدل الاتكال على الآخرين، حتى حليفتها الكبرى واشنطن.
ويسود اقتناع لدى غالبية القادة العسكريين في إسرائيل بأن أي تأخر في ضرب البرنامج النووي الإيراني ستكون له عواقب وخيمة، إذ سيسمح بتقدمه، ولو ببطء، ليبدأ بإنتاج القنبلة. وحينذاك، سيصبح مستحيلاً الطلب ديبلوماسياً من إيران أن تتخلى عن سلاحها النووي، كما سيكون مستحيلاً تدمير هذا السلاح بالوسائل العسكرية.
وتتعرض حكومة نتنياهو لضغوط داخلية هائلة لكي تتعامل استباقياً وبحزم مع التهديد الإيراني الذي يعتبر حتمياً إذا لم يتوقف اليوم. ومعلوم أن إسرائيل لم تتردد في استخدام القوة العسكرية استباقياً ضد المنشآت النووية والكيماوية، في العراق وسوريا مثلاً. وإذا تبين لها اليوم أن التسوية لن تتكفل بتعطيل النووي الإيراني، فعلى الأرجح ستتنصل من التزامها بوقف النار وتستأنف الضربات ضد إيران. والدليل إلى ذلك موقفها من اتفاق وقف النار في لبنان، حيث تواصل تسديد الضربات وإطلاق العنان لطائراتها المقاتلة ومسيّراتها وترفض الانسحاب الكامل، ما دام “حزب الله” لا يلتزم ببند نزع السلاح.
قد تلجأ إسرائيل إلى تنفيذ هجمات نوعية مختلفة في إيران، فلا تكتفي باستئناف الضربات المباشرة ضد المنشآت العسكرية والبنية التحتية النووية، لتستهدف مراكز البحث والتطوير والبنية التحتية الداعمة للبرنامج، وتصعّد العمليات السرية كالاغتيالات والهجمات السيبرانية. وهي طبعاً ستضغط لإقناع الولايات المتحدة بشن ضربات جديدة أكثر حسماً، أو بتقديم دعم مباشر لعملية كبرى تقوم بها. وتعتبر إسرائيل حربها على إيران “فرصة تاريخية” لإزالة التهديد النووي، بعدما تراجعت فاعلية أذرعها الإقليمية، كـ”حماس” و”الحزب” والحوثيين.
بالتأكيد، ستسعى إدارة ترامب إلى انتزاع تنازلات حقيقية وجذرية من الإيرانيين في المجال النووي، وستجري تقويماً دقيقاً لمدى جديتهم. ففي نظرها، المطلوب هو وقف البرنامج النووي بأي وسيلة وأي ثمن. فإذا تحقق ذلك بمسار دبلوماسي وتكلفة قليلة، فالأجدى اختباره. لكن الحرب ستكون خياراً إلزامياً عند فشل السياسة.
إذا أصرّ الإيرانيون والإسرائيليون على مواقفهم الضمنية الحقيقية، وبقي كل من الطرفين متشبثاً بتحقيق المكاسب الكبرى، فإنّ عودة الحرب ستكون مؤكدة. وفي الأساس، ما تم الاتفاق عليه هو فقط “وقف للنار” وليس “إنهاء للحرب”، تماماً كما هو أمر الاتفاق في لبنان. وفي هذه الحال، سيكون الآتي أعظم، لأن طرفي الحرب الأساسيين يعتبران نفسيهما في حرب “حياة أو موت”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() سَقط خامنئي عندما سَقط الأسد | ![]() “الدلع اللبناني السمج” يُتيح دورًا لسوريا! | ![]() خطة هجومية متكاملة دفاعاً عن السلاح |