القطاع العقاري اللّبناني: من الرّكود إلى استعادة العافية المشروطة


خاص 28 حزيران, 2025

اعتبارًا من العام ٢٠٠٧، دخل القطاع العقاري في مرحلة الانتعاش الملحوظ، بظلّ الإقبال الخليجي على شراء العقارات، وتضاعُف قيمتها وارتفاع عدد المشاريع العقاريّة. وذكرت المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات في لبنان “إيدال- IDAL”، في تقريرٍ سابقٍ، أنّ القطاع العقاري استقطب ٧,٥٨ مليار دولار خلال السّنوات الممتدّة من ٢٠٠٣ إلى ٢٠١٦، بما يوازي ٦٣,٣% من إجمالي الاستثمارات العربيّة في لبنان

كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:

“ما بيَعرف الكفّ مِن وين بيِجيه”، تعبيرٌ شعبيٌّ يَختصر حال معظم القطاعات الحيويّة في لبنان، الّتي تحاول جاهدةً الصّمود في وجه العواصف العاتية المتتالية، لا سيّما في السّنوات الخمس الأخيرة. لكن بعد استفحال الأزمة الاقتصاديّة الماليّة وانهيار قيمة اللّيرة، معطوفة على جائحة “كورونا” وانفجار مرفأ بيروت وغياب الاستقرار السّياسي ومؤخّرًا الحرب الإسرائيليّة المؤلمة… بدأت الغيوم تنقشع تدريجيًّا، وتُستعاد الدّيناميكيّة في معظم القطاعات، ومنها قطاع العقارات.

اعتبارًا من العام ٢٠٠٧، دخل القطاع العقاري في مرحلة الانتعاش الملحوظ، بظلّ الإقبال الخليجي على شراء العقارات، وتضاعُف قيمتها وارتفاع عدد المشاريع العقاريّة. وذكرت المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات في لبنان “إيدال- IDAL”، في تقريرٍ سابقٍ، أنّ القطاع العقاري استقطب ٧,٥٨ مليار دولار خلال السّنوات الممتدّة من ٢٠٠٣ إلى ٢٠١٦، بما يوازي ٦٣,٣% من إجمالي الاستثمارات العربيّة في لبنان.

وكشفت أنّه في العام ٢٠١٧، تدفّق إلى البلد نحو ٢,٦٢ مليار دولار من الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة. وظهر من تكوين هذه الأخيرة آنذاك، استحواذ قطاع العقارات على ٩٣,٣% من مجمل الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة. لكن بعدها، بدأت بعض الدّول الخليجيّة بسحب الاستثمارات من قطاع العقارات، وبيع تلك المملوكة من خليجيّين.

إلّا أنّه اعتبارًا من العام ٢٠١٩، بدأت سوق العقارات الّتي كانت تُعَدّ من المحرّكات الأساسيّة للاقتصاد اللّبناني، تعاني من تحدّياتٍ جمّة فَرمَلت تقدّمها وتطوّرها وأدخلتها في حال من التخبّط والرّكود. فغياب القروض المصرفيّة بعد انهيار القطاع المصرفي، وتوقُّف مصرف الإسكان عن منح قروضٍ جديدةٍ، بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بانتظام عمل الدّوائر العقاريّة وتأثيرها على عمليّات البيع والشّراء والتّسجيل، كلّها عوامل شكّلت عائقًا أمام نموّ القطاع العقاري. فمن جهة بات من الصّعب على المواطنين الحصول على تمويلٍ لشراء أو بناء عقاراتٍ، ومن جهة ثانية واجهت عدّة شركاتٍ عقاريّةٍ كانت تعتمد على القروض في أعمالها، شبح الإفلاس أو التعثّر في إتمام مشاريعها.

المفارقة الأغرب كانت إبّان الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، الّتي أرخت بظلالها الثّقيلة على القطاع العقاري كما سائر القطاعات الأخرى، إلّا أنّها في المقابل خلّفت أثرًا إيجابيًّا محدودًا بالنّسبة لبعض المناطق، نتيجة حركة النّزوح الدّاخلي وازدياد الطّلب على الإيجارات.

وأخيرًا، وصلت هذه الرّحلة المحفوفة بالمشقّات، إلى مرحلة الاستقرار السّياسي والأمني النّسبي، بعد انتخاب رئيس الجمهوريّة جوزاف عون وإعادة انتظام عمل مؤسّسات الدّولة تدريجيًّا، ما يُنبئ بفتح شهيّة المستثمرين مجدّدًا وبدء عودة الثّقة بالسّوق العقارية.

في هذا السّياق، يؤكّد نقيب الوسطاء والاستشاريّين العقاريّين وليد موسى، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّه “لا شكّ أنّنا في حالةٍ إيجابيّةٍ جدًّا بدأت بعد انتخاب رئيس الجمهوريّة وتأليف الحكومة الجديدة، ولمسنا اهتمامًا من الاغتراب اللّبناني بموضوع الاستثمار العقاري. ومؤخّرًا بعد السّماح للإماراتيّين بالمجيء إلى لبنان، رأينا اهتمامًا خليجيًّا بالاستثمار في بلدنا. صحيحٌ أنّه لم يتبلور باستثماراتٍ كبيرةٍ بعد، لكن على الصّعيد الشّخصي هناك العديد من الكويتيّين والقطريّين والإماراتيّين الّذين باشروا عمليّة شراء شققٍ سكنيّةٍ فرديّةٍ في مختلف المناطق اللّبنانيّة”.

ويشير إلى أنّ “هذا الزّخم تراجع للأسف مع بداية الحرب الإيرانيّة- الإسرائيليّة. ولكن اليوم، يمكن الاعتبار أنّ موسم الاصطياف انطلق وبدأت مرحلة جديدة في لبنان، ونتأمل أن يُستعاد الحماس الّذي بدأ قبل الحرب المذكورة، وأن يُترجَم باستثماراتٍ من قبل الاغتراب اللّبناني والإخوة الخليجيّين”، لافتًا إلى “أنّنا ننتظر أن يتمّ رفع الحظر عن سفر السّعوديّين إلى لبنان، وعندها سنلاحظ التّأثير الأكبر على صعيد الاستثمارات الأجنبيّة بالقطاع العقاري”.

ويشدّد موسى على أنّه “لا شكّ بأنّ المواطنين القاطنين في لبنان بحاجةٍ أيضًا إلى الاستثمار بالعقارات وشراء شققٍ سكنيّة. وفي هذا الإطار، ما زلنا ننتظر الإصلاحات المصرفيّة وإعادة هيكلة المصارف وعودة القطاع المصرفي إلى دوره، ليتمكّن من التّسليف مجدّدًا، ما يسمح للشّباب في لبنان بشراء شققٍ أو عقاراتٍ وهذا ما نطمح إليه”.

إلى جانب الإجراءات المصرفيّة الضّروريّة، تطول لائحة المطالب الّتي يرفعها القطاع العقاري، والّتي يأمل تنفيذها ليستعيد عافيته بشكلٍ كامل. ويعدّد النّقيب أبرز عناوينها العريضة، وهي: “أوّلًا إعادة انتظام الدّوائر العقاريّة بشكلٍ تامّ في جميع المناطق اللّبنانيّة وخاصّةً في جبل لبنان، وثانيًا مكننة القطاع العقاري من مختلف جوانبه، ما يتيح للمواطن إجراء معاملاته ودفع ضرائبه أونلاين”.

وأضاف: “ثالثًا إنهاء تطبيق مشروع ربط كتّاب العدل بالدّوائر العقاريّة، ما يخلق سرعةً في إنجاز المعاملات ومناخًا من الشّفافيّة يشجّع المستثمرين على الاستثمار بالقطاع العقاري، رابعًا وضع سياسات ضريبيّة تشجيعيّة بظل غياب القطاع المصرفي، تشجّع المستثمرين على صرف أموال بالقطاع العقاري؛ وخامسًا البتّ بموضوع إقامة الأجنبي لدى شراء عقارٍ في لبنان”.

بعد تغيُّر النّظام السّياسي الحاكم في سوريا في كانون الأوّل ٢٠٢٤، بات ملف إعادة الإعمار على رأس أولويّات السّلطة هناك، تمهيدًا لوضعه على مسار التّنفيذ. ويوضح موسى أنّ “عمليّة إعادة الإعمار لها تأثيرها المباشر على القطاع العقاري في لبنان، لا سيّما على صعيد الإيجارات السكنيّة والتّجاريّة. فالعديد من الشّركات المشاركة بإعادة الإعمار ستتّخذ من لبنان مقرًّا لها، أو ستستأجر عقاراتٍ في البلد لكي يسكن موظّفوها خصوصًا من هم في مراكز قياديّة. كما أنّ كلّ ما له علاقة بالأمور اللّوجستيّة والتّخزين على الحدود اللّبنانيّة- السّوريّة سيشهد حركةً ناشطةً، ستؤثّر على القطاع العقاري بشكل عام”.

إلى جانب الحاجة لتنفيذ إصلاحاتٍ جذريّةٍ ولإعادة النّهوض بالقطاع المصرفي، وصولًا إلى قيامةٍ فعليّةٍ للقطاع العقاري، يبقى الاستقرار السّياسي والأمني والاقتصادي السّكة الرّئيسيّة لأيّ قطار تعافٍ أو ازدهار. فهل سينجح المسؤولون بإعادة بناء جسور الثّقة المهدَّمة، أم أنّهم سيضيّعون -كما أسلافهم- فرصًا ثمينةً للنّهوض بالبلد وقطاعاته؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us