مُثلّث “أعزل” لبناني – سوري – إسرائيلي!

يُحكى عن توجّهٍ إلى إنشاء محاور مُجرّدةٍ من السلاح ومُحايدةٍ، تديرها قوى نظامية متعدّدة بعد تنظيفها من فصائل مسلحة مُتهمة بالإرهاب وتشعّباته التي تشمل التهريب بأنواعه كافّة، وتبييض الأموال، والاتجار بالبشر لتكوين كِياناتٍ تديرها قوى لا تستبدّ بشعوبها ولا تُصَدِّرُ أخطارًا إلى ما وراء حدودها.
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
مزارع شبعا، من وجهة نظرٍ دوليةٍ، تحكمها مفاعيل القرار الأممي 242 ما يجعلها منطقةً متنازعًا عليها بين سوريا وإسرائيل، ولا وجود لأي صلةٍ للبنان بها، لأنّه لم يشارك في حرب الأيام الستة في حزيران عام 1967 التي خسرت خلالها مِصر والأردن وسوريا أراضٍ لإسرائيل، وكان لبنان محميًّا باتفاقية الهدنة مع إسرائيل السارية منذ العام 1949.
إسرائيل فعلًا احتلت المزارع من القوات السورية التي كانت تتواجد فيها منذ عهد الوحدة بين مِصر وسوريا التي استمرت 1313 يومًا، منذ 22 شباط عام 1958 حتّى 28 أيلول عام 1961 عندما أعلنت سوريا الانفصال.
حرب الأيام الستة اشتعلت في 5 حزيران عام 1967، وتوقّفت منتصف ليل العاشر من الشهر نفسِه ضِمنًا، وبقي مجلس الأمن الدولي أكثر من خمسة أشهرٍ يحاول استيعابها حتّى أصدر بالإجماع قراره الرّقم 242 في 22 تشرين الثاني عام 1967، الذي جاء فيه أن:
“مجلس الأمن، إذ يُعرب عن قلقه المتواصل بشأن الوضع الخطِر في الشرق الأوسط، وإذ يؤكّد عدم القبول بالاستيلاء على أراضٍ بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلامٍ دائمٍ وعادلٍ تستطيع كلّ دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمان، وإذ يؤكد أيضًا أنّ جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقًا للمادة 2 من الميثاق:
1 – يؤكّد أنّ تحقيق مبادئ الميثاق يتطلّب إقامة سلامٍ عادلٍ ودائمٍ في الشرق الأوسط ويستوجب تطبيق كلا المبدأين التاليين:
أ – سحب القوات المسلحة من الأراضي ( في النص الإنكليزي أُزيلت “ال” وبقيت “أراضي” ما حافظ على غموضٍ مُتعمّدٍ) التي احتلتها في النزاع.
ب – إنهاء جميع ادّعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضي كلّ دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقّها في العيش بسلامٍ ضمن حدودٍ آمنةٍ ومعترفٍ بها وحرّةٍ من التهديد وأعمال القوة.
2 – يؤكّد أيضًا على الحاجة إلى:
أ – ضمان حريّة الملاحة في الممرّات المائية الدولية في المنطقة (مخصّص لقناة السويس التي بقيت مقفلة حتى العام 1975).
ب – تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين (لم تتحقّق).
ج – ضمان المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكلّ دولة في المنطقة عن طريق إجراءاتٍ بينها إقامة مناطق مجرّدة من السلاح (For guaranteeing the territorial inviolability and political independence of every State in the area, through measures including the establishment of demilitarized zones).
د – وقف إطلاق النار.
يبدو أن القرار 242 لم يزلْ، بعد 58 سنةٍ من صدوره، البوصلة التي تحدّد مسارات “الشرق الأوسط المتوسطي” من غزّة إلى لبنان حيث يُحكى عن توجّهٍ إلى إنشاء محاور مُجرّدةٍ من السلاح ومُحايدةٍ، تديرها قوى نظامية متعدّدة بعد تنظيفها من فصائل مسلحة مُتهمة بالإرهاب وتشعّباته التي تشمل التهريب بأنواعه كافّة، وتبييض الأموال، والاتجار بالبشر لتكوين كِياناتٍ تديرها قوى لا تستبدّ بشعوبها ولا تُصَدِّرُ أخطارًا إلى ما وراء حدودها.
ويتسرّب همسٌ أيضًا من إجتماعاتٍ مغلقةٍ عن صيغةٍ يجري إعدادها لغزّة ما بعد إنهاء مفاعيل “طوفان حماس”، ومُغادرة قيادات حماس وأتباعها إلى دولٍ تقبل استقبالهم وتضمن سلامتهم، وتتكفّل بمنعهم من ممارسة العمل السياسي.
تتضمّن الصيغة “إدارةً مشتركةً فلسطينيةً – إسرائيليةً للقطاع بضمانةٍ دوليةٍ تتضمّن خطة استنهاضٍ شاملةٍ وتعافٍ تنقل السكان من البؤس الذي تسبّبت به مغامرة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023”.
لبنانيًا، التوجّه، إذا صدقت النوايا، هو إلى إنعاش منطقة “تقاطع مصالحٍ ما يحفّز لبنان وسوريا وإسرائيل على التلاقي ضمن توجّهٍ مُسالمٍ يؤمّن للمنطقة ازدهارًا يعوّضها عمّا خسرته في حروبٍ استباحت أرضها، على أن يتحقّق الهدف وفق قاعدة عدم اعتداء لا تشمل اتفاقية سلام وتطبيع”.
مواصفات البيئة الحاضنة للتصوّرلا تتوفّر إلّا في منطقة العرقوب (شبعا – كفرشوبا – الهبارية – كفرحمام) في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، حيث تتلاقى الحدود اللبنانية – السورية – الإسرائيلية، علمًا أنّ المنطقة شهدت حقبةً من “الازدهار” على خط التهريب إلى سوريا الأسديّة في ثمانينيّات القرن الماضي، تحت نظر القوات الإسرائيلية التي لم تكن تعارض استفادة نظام حافظ الأسد ممّا تؤمنه عمليات التهريب التي تنطلق من شبعا.
في تلك الحقبة، كانت بواخر الشحن تُفرِغُ في مرفأ الناقورة الذي تشرف عليه ميليشيا جيش لبنان الجنوبي المُتحالفة مع إسرائيل بقيادة اللواء أنطوان لحد، أطنانًا من قضبان الحديد لزوم البناء، تنقلها الشاحنات إلى شبعا، حيث يتمّ لفها بشكلٍ بيضاويّ وتحميلها على البغال التي تنطلق بها قوافل التهريب إلى سوريا، مارَّةً تحت الموقع الإسرائيلي في جبل “هاردوف”، حيث كان الحارس الإسرائيلي يشاهد القافلة ولا يتعرّض لها وتُكمل طريقها إلى موقع التسليم إلى الجانب الأسدي في جبل الشيخ.
المُلفت في قوافل التهريب تلك أنّها كانت تتكوّن ممّا لا يقلّ عن عشرة بغال ومهرّبٍ واحدٍ يمتطي آخر بغلٍ في القافلة التي يقودها، ذهابًا وإيابًا، بغل يعرف الطريق.
وكان المهرّب يشتري من السوريين “مازوتًا وقطنيّاتٍ وحراماتٍ” لزوم مكافحة برد الشتاء، وقد اشتريْتُ حرامَيْن لونهما أحمر من مهرّبٍ سوري قال إنّهما من الصوف من صنع الاتحاد السوفياتي ما زلت أتمتّع بدفئهما في الشتاء، وأدعو لشبعا وأفضال مهرّبيها الذين كانوا يؤمّنون القمح للبنان في زمن الجوع أثناء حرب “السفر برلك”، وفق ما رواه لي المهرّب في طريق العودة.
وكانت بغال شبعا، التي لا يقلّ سعر الواحد منها في ذلك الوقت عن سبعة آلاف دولار، تؤمّن أيضًا بضائع لجنود قوة “اليونيفيل” في المواقع المعزولة، وكان تيمور غوكسيل، المسؤول الإعلامي الأول لليونيفيل، يسمّيها “البغال الطائرة” التي “تحطّ” في مواقع قوّة الأمم المتحدة يوم دفع الرواتب، فتبيع الجنود ما يحتاجونه من سجائر ومشروبات وأشرطة تسجيل لأغانٍ بلغة بلدانهم، ونظارات… إلخ. ويشتري المُهرّبون فائض التموين الذي يستغني عنه الجنود، والذي يتكوّن عادةً من علب القهوة الكبيرة ومبيّض القهوة وعلب الحليب وزيت البلح الذي يُستخدم لطبخ عشبةٍ خضراء تشبه الملوخيّة.
إذا صحّت التوقعات، يصحّ السؤال: ماذا يستفيد لبنان من مثلّث تقاطع المصالح مع سوريا وإسرائيل من دون التورّط باتفاقية سلام وما يتبعها من تطبيع؟!.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() لبنان عصي على الإصلاح! | ![]() لا تسوية مع إيران | ![]() لبنان جمهورية يحكمها ملوك عدة! |