فوضى المرور في لبنان.. و “اليازا” تحذّر: لا رقابة فعلية!


خاص 9 تموز, 2025

في بلد تنهشه الأزمات، أصبح الموت على الطرقات واقعًا يوميًا لا يثير الدهشة.
لكن السؤال الأهم: من يحاسب؟ ومن يوقف هذا النزيف؟ فإذا كانت المحاسبة معدومة، إلى متى سنبقى نعدّ الضحايا دون أن نُمسك بالفاعل؟

كتبت هانية رمضان لـ”هنا لبنان”:

ليست الحرب وحدها ما يحصد الأرواح في لبنان، فثمّة حرب أخرى تدور يوميًا على الطرقات، بصمتٍ مروّع.
حوادث السير لم تعد مجرّد أخبار عابرة، بل تحوّلت إلى مأساة وطنية متواصلة، تحصد العديد من الضحايا والجرحى سنويًا، دون أن تُقابل بأي خطة جدّية أو محاسبة واضحة.
في بلدٍ يُراكم الأزمات، تتقدّم أزمة المرور إلى الواجهة بوصفها أحد أكثر وجوه الانهيار قسوةً: بنية تحتية متهالكة، قوانين لا تُطبّق، ومركبات تسير بلا فحص أو رقابة.
ومع كل حادث، تتكرّر الأسئلة ذاتها: من يتحمّل المسؤولية؟ ومن يُنقذ الأرواح من هذا الموت المجاني؟
فمنذ مطلع العام 2024، ارتفعت وتيرة الحوادث بشكل مقلق، ما دفع الخبراء والمجتمع المدني إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من “نزيف يومي” يمرّ بصمت.

فوفق بيانات غرفة التحكم المروري، شهد لبنان أكثر من 2600 حادث سير منذ بداية عام 2024 وحتى نهاية شهر حزيران.
وقد أسفرت هذه الحوادث عن أكثر من 340 حالة وفاة، إلى جانب آلاف الإصابات، كثير منها خطير.
هذه الأرقام تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا بالمقارنة مع الأعوام السابقة، رغم تراجع حركة السير نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات وتدهور الاقتصاد، ما يعكس أنّ الخلل بنيوي وليس ظرفيًا.

ليست السرعة وحدها ما يقتل اللبنانيين على الطرقات.
إنه مزيج من انعدام الصيانة للبنية التحتية، غياب الإشارات والتنظيم المروري بالإضافة إلى تراجع في تنفيذ قانون السير.

وفي حديث خاص أجراه موقع “هنا لبنان” مع الدكتور زياد عقل، رئيس جمعية “اليازا إنترناشيونال”، عبّر عن قلقه العميق إزاء تدهور السلامة المرورية في البلاد.
وقال: “للأسف، لا وجود فعلي للرقابة، ولا التزام حقيقي بتنفيذ قانون السير. وإنّ منح إجازات السوق يتم غالبًا دون مراعاة الشروط القانونية والأصول الفنية. ونحن نطالب بإعادة تفعيل آلية منح الرخص بشكل صارم.”

كما أشار الدكتور عقل إلى غياب الترجمة العملية للبيان الوزاري الذي تعهّدت فيه الحكومة بتحسين السلامة المرورية، مؤكدًا أنّ ” أربعة أشهر مرت على تشكيل الحكومة، ولم نرَ خطوات جدية تعكس التزامًا فعليًا بالسلامة على الطرقات. الطرق مهترئة، والإشراف غائب”.
ولفت إلى أنّ قرار إيقاف المعاينة الميكانيكية منذ عام 2022 شكّل “نقطة تحوّل خطيرة” في ارتفاع عدد الحوادث “فبدلًا من معالجة الفساد داخل مراكز المعاينة، تمّ تعطيلها كليًا. واليوم تسير شاحنات ومركبات دون أي فحص تقني، وهذا أمر كارثي.”

أما عن دور الجهات النيابية، فأوضح أنه “في الماضي، كانت لجنة الأشغال العامة والنقل أكثر فاعلية. أما اليوم، فقد تراجع أداؤها بشكل كبير، ونحن لا نرى أي متابعة حقيقية من جانبها.”

من ناحية أخرى أشار عقل إلى أنّ الفئة العمرية بين 15 و30 عامًا هي الأكثر عرضة لحوادث السير.
لكن في لبنان، لا تتوافر بيانات رسمية دقيقة بشأن أعمار الضحايا أو أنماط الحوادث، ما يعكس ثغرة كبيرة في التخطيط ووضع السياسات الوقائية.

في حين تراجعت معدلات الوفاة الناتجة عن حوادث السير في معظم الدول الأوروبية إلى أقل من 3 حالات لكل 100,000 نسمة، تُقدَّر هذه النسبة في لبنان بما يقارب 15 إلى 17 حالة وفاة لكل 100,000 نسمة، وفق تقديرات غير رسمية.

هذا الواقع يضع لبنان بين الدول الأكثر خطورة في هذا المجال، رغم حجم البلاد الصغير وعدد السكان المحدود.

الأزمة معروفة، والمخاطر واضحة، والحلول متوافرة.
لكن المشكلة الأساسية تكمن في غياب القرار السياسي، والتساهل في تنفيذ القوانين، وغياب التنسيق بين الجهات المعنية.
المطلوب اليوم ليس فقط خططًا على الورق، بل تحرك فعلي يشمل إعادة تفعيل المعاينة الميكانيكية، تحسين البنية التحتية وضرورة تحديث أنظمة الرادار والمراقبة مع فرض الرقابة الصارمة على منح إجازات السوق، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعية تستهدف الفئات الشابة بشكل خاص.

في بلد تنهشه الأزمات، أصبح الموت على الطرقات واقعًا يوميًا لا يثير الدهشة.
لكن السؤال الأهم: من يحاسب؟ ومن يوقف هذا النزيف؟
فإذا كانت المحاسبة معدومة، سنبقى نعدّ الضحايا دون أن نُمسك بالفاعل!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us