قرار دستوري يُنهي عقودًا من الظلم: قانون الإيجارات غير السكنية يدخل حيّز التنفيذ

مع دخول القانون الصادر عن المجلس الدستوري حول الإيجارات غير السكنية حيّز التنفيذ، يُفتح الباب أمام مرحلة جديدة قائمة على احترام القانون والدستور، بعيدًا عن الضغوط والمصالح الضيّقة. ويبقى التحدّي في التطبيق العملي والشفّاف للقانون، لضمان العدالة للطرفين.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في خطوةٍ وُصفت بـ”التاريخية”، أعلن المجلس الدستوري اللبناني عن إبطال الفقرة (د) من المادة (10) من القانون رقم (11) الصادر بتاريخ 12/6/2025 حول الإيجارات غير السكنية، وردَّ جميع أسباب الطعن الأخرى المقدّمة ضدّ القانون. وبناءً على هذا القرار، أصبح القانون نافذًا ومُلزمًا، ما يُنهي سنوات من الجدل ويُعيد تنظيم العلاقة بين المالكين والمستأجرين ضمن إطار قانوني واضح ومتوازن.
ويُعتبر هذا القرار تتويجًا لمسارٍ طويلٍ من المراجعات والجدل، بدأ مع إقرار القانون في كانون الأول (2023) في ظلّ فراغٍ رئاسيّ وتجاذباتٍ سياسيةٍ، ثم نشره رسميًا، وتلاه طعون من عدد من النواب، إلى أن أكّد المجلس الدستوري دستورية القانون، محطِّمًا بذلك حالة اللااستقرار القانونية والاجتماعية التي رافقت هذه العلاقة لسنوات.
يُمهّد هذا القرار لانطلاق مرحلة جديدة يُنتظر أن تُصحّح اختلالاتٍ تاريخيةً طالما أثّرت في حقوق المالكين، بعد عقودٍ من التشريعات الاستثنائية التي أدّت إلى تراكم الظلم والقهر في هذا القطاع.
وعبّرت نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة عن ارتياحها العميق، مُعتبرةً أن القرار يُشكّل نقلةً نوعيةً نحو استعادة العدالة وإعادة التوازن إلى العلاقة التأجيرية، التي ظلّت لفترة طويلة تشوبها اختلالات قانونية واجتماعية غير عادلة بحقّ أصحاب الأملاك.
وقالت النقابة في بيانها إنّ “هذا القرار يُشكّل خطوةً دستوريةً وقانونيةً مهمّةً طال انتظارها، حيث يَكسِرُ حالة الانعدام في التوازن التي ظلّت تحكم العلاقة التأجيرية، والتي كانت تُكرّس وضعًا مُجحفًا بحقّ المالكين الذين ظلّوا يُعانون من ضياع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، في حين استفاد المستأجرون من قوانين متقادمة لا تُلبي متطلبات السوق أو الواقع المعيشي”.
وأضافت النقابة أنّ “القانون الحالي يُشكّل حلاً وسطًا عادلًا يُنهي حالة الانقسام التي استمرت طويلًا، ويُعيد الاعتبار لمبادئ العدالة والمساواة أمام القانون، مع الحفاظ على الحقوق الأساسية وفي مقدمتها الحقّ الدستوري في الملكية”.
ورفضت النقابة بشكلٍ قاطعٍ “أي محاولة لإعادة فتح موضوع تعديل القانون أو تغييره تحت أي ذريعة كانت، مؤكدةً أن قرار المجلس الدستوري الذي منح القانون صفة الشرعية الكاملة يجب أن يكون قاطعًا ويُغلق الباب أمام أي محاولات سياسية أو تشريعية تهدف إلى عرقلته”.
ودعت النقابة السلطة التشريعية إلى “احترام هذا القرار القضائي الصادر عن أعلى هيئة دستورية في البلاد، ووقف كل المحاولات الرامية إلى تقويض نصوص القانون أو الالتفاف على أحكامه، مهما كانت الضغوط أو المصالح الفئوية”.
كما دعت النقابة كافة المالكين والمستأجرين إلى الشروع في تطبيق القانون من دون أي تأخير أو مماطلة، انطلاقًا من مبدأ احترام القوانين النافذة، مشيرةً إلى أن تطبيق هذا القانون هو السبيل الوحيد لبناء قطاع إيجارات مستقر ومتوازن يخدم مصالح الطرفين ويُساهم في دعم الاقتصاد الوطني.
وأكّدت النقابة استمرارها في لعب دورها كحاميةٍ لحقوق المالكين، من خلال متابعة كافّة المسارات التشريعية والقضائية ذات الصلة، حتى يتحقّق إصلاح شامل وعادل يُنهي الظلم المتراكم الذي لحق بهذه الفئة.
وختمت بتأكيد أنّ “منطق الدولة واحترام الدستور هو الأساس الذي يجب أن يسود في المرحلة المقبلة، وأنّ احترام القانون هو السبيل الوحيد لاستعادة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، ولتحقيق علاقة تأجيرية متوازنة ترتكز إلى العدالة والمساواة، لا على الاستثناءات والامتيازات”.
وفي تعليق له على القرار، قال نقيب مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة باتريك رزق الله لموقع “هنا لبنان” إنّ “المجلس الدستوري أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، وأنذ المرحلة القادمة تتطلب التزامًا كاملًا من جميع الأطراف، لافتًا إلى أنّ هذا القرار يُعتبر محطةً تاريخيةً تُعيد العدالة إلى العلاقة بين المالكين والمستأجرين بعد أكثر من أربعين عامًا من الظلم الواقع على المالكين القدامى”.
وأضاف رزق الله: “نحن الآن في المسار الصحيح، فقد شارفت المهل القانونية على الانتهاء في قانون الإيجارات السكنية، وستبدأ من تاريخ النشر في قانون الإيجارات غير السكنية، وندعو جميع المالكين والمستأجرين إلى احترام هذا القانون وتطبيقه فورًا من دون أي تأخير”.
وشدّد على أنّ هذا القرار “يضع حدًا لفترة من الفوضى والضغوط غير المقبولة، التي شملت دعوات لعدم احترام القانون والدستور، ومحاولات لفرض واقع بالقوة من خلال ممارسات وصفها بـ’التشبيح'”.
وتابع: “لقد احترمنا سابقًا قرار المجلس الدستوري بعدم نفاذ القانون، وطالبنا حينها بإعادة نشره، وهو ما تحقّق. واليوم نطالب الطرف الآخر باحترام القرار الجديد الذي صدر عن المرجعية التي لجأوا إليها من خلال الطعن”.
وأكّد رزق الله أن القانون أصبح نافذًا بدستوريةٍ كاملةٍ، ولا يجوز استخدام أي حجّة لتعطيله أو تعديله في المجلس النيابي، داعيًا النواب إلى الامتناع عن المساس بالقانون بعد أن أكّد المجلس الدستوري شرعيته.
وختم رزق الله: “حان الوقت لعودة منطق الدولة واحترام القوانين النافذة، واستعادة التوازن بين حقوق المالكين والمستأجرين”.
هذا القرار يُشكّل نقطة تحوّل مهمة في التشريع الإيجاري اللبناني، حيث يطوي صفحةً طويلةً من الخلل القانوني الذي قَيَّد حقوق المالكين وأدّى إلى نزاعاتٍ متكرّرةٍ. مع دخول القانون حيّز التنفيذ، يُفتح الباب أمام مرحلة جديدة قائمة على احترام القانون والدستور، بعيدًا عن الضغوط والمصالح الضيّقة. يبقى التحدي اليوم في التطبيق العملي والشفّاف للقانون، لضمان العدالة للطرفين، وتحقيق الاستقرار في قطاع الإيجارات الذي يُعدّ من ركائز الحياة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() عودة جورج عبدالله: خطاب على أنقاض التاريخ | ![]() بيروت على حافّة كارثة… وحدات التكييف المعلّقة على الأبنية تهدّد حياة المارة | ![]() قطاع “النبيذ” تحت الضغط: كلفة مرتفعة وطلب متراجع! |