شروط “الحزب” لتسليم السلاح


خاص 24 تموز, 2025

يعتمد “الحزب” خطة تكييف الذرائع مع المتغيرات لتبرير احتفاظه بالسلاح. وفي الواقع، ليس هناك سوى 3 حالات يمكن لـ”الحزب” فيها أن يتخلى عن السلاح: حرب إسرائيلية شاملة على لبنان تؤدي إلى تدمير سلاحه، تسوية إيرانية- أميركية ربما تعلن فيها طهران تخليها عن سلاح حليفها اللبناني، أو سيطرة “الحزب” الكاملة على الدولة، بحيث يسلم سلاحه لنفسه!

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

واضح أنّ “حزب الله” لا يريد تسليم سلاحه بأي حال من الأحوال، لا اليوم ولا في أي يوم. ولذلك، هو مضطر إلى ابتكار الذرائع التي تتلاءم مع كل مرحلة. فقبل انسحاب إسرائيل من الجنوب في العام 2000، كان يقول إنه يتخلى عن السلاح إذا نفذت إسرائيل قرار مجلس الأمن الدولي 425 القاضي بالانسحاب من لبنان. ولكن، عندما انسحبت فعلاً من الجنوب بكامله، وجد في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ذريعته الجديدة، فقال إنها أرض لبنانية، لا سورية، وسنحتفظ بالسلاح حتى تحريرها.

طبعاً، في ذلك الحين، لم يكن صعباً على “الحزب” أن يدعم ترسانة سلاحه، وأن يمنع أياً كان من النقاش حولها. فحليفه نظام الأسد كان يمسك البلد بقبضة من حديد، وهو نفسه تجنب تقديم وثائق إلى الأمم المتحدة تحسم إذا كانت المزارع سورية أو لبنانية. فمن جهة هو لا يستطيع التخلي عنها كأرض سورية، ومن جهة أخرى، هو يحرص على عدم إفساد ذريعة “الحزب”.

ومنذ 8 أشهر، مع سقوط الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة سوريا، بات وارداً في أي لحظة أن تعلن دمشق رسمياً سوريّة المزارع، علماً أنّ هذا هو اقتناع الأميركيين أيضاً والتعاطي الدولي من خلال الأمم المتحدة. وإذا تم هذا الإعلان رسمياً، مدعوماً بالوثائق، وتم الاعتراف به دولياً وإقليمياً، فسيخسر “الحزب” ذريعته للاحتفاظ بالسلاح.

ولذلك، وفي خضم الضغوط الشرسة التي يتعرض لها، وبعد الضربات المريعة التي تلقاها في الحرب، خرج “حزب الله” من قصة المزارع وبات يقول بكل بساطة: لن نسلم السلاح لأن المخاطر تفاقمت، سواء من جانب إسرائيل التي عادت تسيطر على مناطق حدودية وتقوم بعمليات يومية على اتساع الأراضي اللبنانية، أو من جانب سوريا التي تشهد اضطرابات طائفية قد تنقل نيرانها عبر الحدود الفالتة، وفيما يسرح ويمرح مليونان ونصف المليون نازح سوري وفلسطيني على أرض لبنان.

ولكن، مع تقلب الظروف والشعارات، لا يتوانى “الحزب” عن القول دائماً: نحن مع حصرية السلاح بيد الدولة، وسنسلم سلاحنا عندما يتم تزويد الجيش اللبناني بالسلاح الثقيل، الكفيل بمواجهة إسرائيل، فيصبح قادراً على حماية لبنان. ومستعدون للحوار حول الاستراتيجية الدفاعية المناسبة لحماية لبنان.

وطبعاً، هذا الحوار لا يمكن أن يتم إلا شكلياً. ويستحيل أن يتوصل إلى برمجة لتسليم السلاح لا اليوم ولا في أي يوم، لأنّ “الحزب” الجالس إلى طاولة الحوار سيكون مدججاً بالسلاح فيما الآخرون عراة، ولأنّ “منطق الأقوى هو الأفضل” كما يقول الشاعر الفرنسي، فسيكون “الحزب” دائماً على حق في أن ظروف تسليم السلاح إلى الدولة لم تنضج بعد، بل إن الدعوة إلى تسليمه هي خيانة وطنية تستجيب إلى مطالب إسرائيل.

إذاً، يعتمد “حزب الله” خطة تكييف الذرائع مع المتغيرات لتبرير احتفاظه بالسلاح. وفي الواقع، ليس هناك سوى 3 حالات يمكن لـ”الحزب” فيها أن يتخلى عن السلاح.

1- حرب إسرائيلية شاملة على لبنان تؤدي إلى تدمير سلاح “الحزب”. لكن ​هذا السيناريو يتطلب عملية عسكرية واسعة النطاق وطويلة الأمد، لها تداعياتها الإنسانية والاقتصادية والمدنية المدمرة. وفي تجارب سابقة، لم تتمكن إسرائيل من القضاء التام على سلاح “الحزب” من خلال الحروب. فهو يحتفظ بقدرات عسكرية وبنية تحتية ربما تصمد طويلاً أمام الضربات الجوية.

2- تسوية إيرانية- أميركية ربما تعلن فيها طهران تخليها عن سلاح حليفها اللبناني. لكن هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً جداً لأنّ “الحزب” هو جزء لا يتجزأ من محور إيران التي تعتبره أداة استراتيجية مهمة في الدفاع عن نفوذها. وقد لا تكون مستعدة للتخلي عن هذه الورقة بأي ثمن.

3- سيطرة “الحزب” الكاملة على الدولة، بحيث يسلم سلاحه لنفسه! وهذا السيناريو يفترض أنّ “الحزب” وصل إلى نقطة السيطرة المطلقة على مؤسسات الدولة. ولكن، في الواقع، لبنان بلد ذو تركيب طائفي معقد، وموازين القوى الداخلية والخارجية فيه تمنع أي طرف من السيطرة المطلقة، مع التذكير بوجود رفض محلي قوي ومتنامٍ لسيطرة “الحزب”.

لذلك، ستبقى مسألة السلاح متشابكة ومعقدة. وهذا الواقع يرجح استمرار البلد في المنزلق، سواء نتيجة الحرب الإسرائيلية أو مخاطر انتقال التوترات السورية وتدفق النازحين عبر الحدود الفالتة. وأما الحوار الداخلي الحقيقي حول الخيارات الكبرى فسيبقى معطلاً حتى إشعار آخر. وسيبقى “الحزب” مسيطراً جزئياً على الدولة، فيما هو يرفع شعار “الدولة القادرة” لتبرير احتفاظه بالسلاح.

إنها فعلاً “مرحلة انتقالية مطوّلة”، يتأرجح فيها لبنان على حافة الهاوية. ولا أحد يستطيع التكهن كيف ستنتهي، لكنها تتسم بالكثير من الأوجاع.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us