إلى “فيروز”..

ربما أرادت فيروز وداعاً أكثر خصوصية وداعاً يشبهها بعيداً عن الأسئلة والتصفيق والصفير.. ولكن الأم تلبّي أحلام أطفالها، وزياد ليس كفيروز، زياد الذي كان يجلس في شارع الحمرا ويخالط الناس، ويتحدث مع الجميع، كان يريد لوداعه أن يكون بهذا الشكل ربما، أن يكون مجنوناً، فوضوياً، غير مألوف.. وفيروز، لم تقل لا لزياد، لم ترفض أمنيته بعد الرحيل، فخرجت إليه، وإلى محبيه ومحبيها، خرجت كي تودع جزءاً من روحها، كي تغني بصمت “غمضت عيوني خوفي للناس يشوفوك مخبى بعيوني”..
كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:
من أين يبدأ الكلام عن فيروز؟
وكيف يمكن أن تحاك الكلمات؟ وكيف لنا ألّا نتوقف أمام “جبروت” هذه السيدة التي خلقت من رقي، فكانت شامخة حتى في حزنها.
فيروز، التي احتجبت عن الأضواء لسنوات، والتي مثّلت لمحبيها سرّاً لطالما حاولوا اختراقه، هذا السرّ الذي دفعهم ذات مرة إلى باحة منزلها بحثاً عن وجهها، عن صوتها، عن أمل بخروجها ولو لجزء من الثانية، غير أنّ الباب حينها لم يفتح والستائر لم ترفع وبقيت فيروز حيث هي، وبقي محبوها حالمون حيث هم!
هذا السر، الذي جعل عشاقها يروون فضولهم بصورة تنشرها ريما، أو بزيارة لرئيس فرنسي أتى كي يكرّم الأيقونة.
سرّ فيروز، تسلّل إليه زياد، ففتحت الباب ورفعت الستائر، ربما لمرة واحد لن تتكرر.
فيروز، التي خسرت زيادها، خرجت إلى الضوء، علماً أنّها هي الضوء، هي التي كانت دوماً في حالة سطوع ونحن كنا نختلس النظر إليها بحثاً عن بعض الدفء، دفء الصوت والصورة.
بثوبها الأسود، وغطاء رأس بسيط، وبنظاراتها السوداء، خرجت الأيقونة كي تودّع وحيدها، وجلست صامتة حيث تتلى تراتيل الوداع الأخيرة، هادئة، لم تسمح لأحد أن يخترق حصن عينيها فظلّتا لغزاً، ولم نعلم كيف كانت تنظر لتلك الحشود أو إن كانت تنظر إليها حتى، فالحزن له هالته، والألم له لغته، والفقدان يحملنا من الواقع إلى واقع آخر، فنحضر جسداً أما الروح فتكون بمحاذاة الحبيب الراحل.
الأضواء اليوم حاصرت فيروز، وحاوطها محبوها، دون أن يدرك هؤلاء أنّ لهذه “الأم الحزينة” خصوصية، وأنّ فيروز كانت تستحق من الكاميرات أن تحتجب عنها قليلاً ومن عشاقها أن يغادروا دائرتها وألّا يحاولوا اختراق هالتها!
ورغم ذلك، ورغم ما نقلته شاشات التلفزة، لم تبدِ السيدة فيروز أيّ ردّة فعل، ملامحها بقيت ثابتة، فكانت “أم زياد” لساعات طويلة.
وكانت تلك السيدة، التي رسمت حولها هالة غير مرئية لا يمكن أبداً تخطيها.
نعم لفيروز “هالة”، لهذه السيدة العظيمة، لهذه الأمّ المفجوعة، لهذه الأيقونة بفنّها وحزنها وحضورها وغيابها، هالة.
اليوم خرجت فيروز، ولكنّها لم تخرج إلينا، هي خرجت لأجل حبيبها، لأجل زياد. وربما هي أرادت وداعاً أكثر خصوصية وداعاً يشبهها بعيداً عن الأسئلة والتصفيق والصفير.. ولكن الأم تلبّي أحلام أطفالها، وزياد ليس كفيروز، زياد الذي كان يجلس في شارع الحمرا ويخالط الناس، ويتحدث مع الجميع، كان يريد لوداعه أن يكون بهذا الشكل ربما، أن يكون مجنوناً، فوضوياً، غير مألوف.
وفيروز، لم تقل لا لزياد، لم ترفض أمنيته بعد الرحيل، فخرجت إليه، وإلى محبيه ومحبيها، خرجت كي تودع جزءاً من روحها، كي تغني بصمت “غمضت عيوني خوفي للناس يشوفوك مخبى بعيوني”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “باص الذكاء الاصطناعي” انطلق من بيروت إلى كلّ لبنان… “معلومات تقنية وجلسات تعليمية”! | ![]() “حزب الله” يستنجد بـ”التكفيريين”! | ![]() رمزي نهرا… نهاية عهد “محافظ” الفساد! |