العاجزون أمام السلاح الفلسطيني كيف ينزعون سلاح “الحزب”؟


خاص 31 تموز, 2025

ليس مستغرباً أن تصطدم المحاولات الجدية لمعالجة ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات بموقف رافض من “الحزب”، واضح أو ملتبس، وحتى إشعار آخر، سيتشارك الطرفان في تشكيل معادلة أمنية وسياسية متشابكة، وسيبقى متعذراً على الدولة اللبنانية تفكيكها، إلى أن تحين لحظة التسويات الموعودة

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

في أيار الفائت، وخلال زيارة محمود عباس لبيروت، تم الاتفاق على تسليم السلاح الفلسطيني في المخيمات إلى الدولة اللبنانية، ضمن برمجة تبدأ بمخيمات بيروت ثم تنتقل إلى الجنوب. لكن هذا الإعلان بقي مجرد حبر على ورق، إذ أعقبته اعتراضات وانتفاضات على قرار عباس من داخل حركة “فتح”. وأما الفصائل الأخرى الموالية لإيران، فعلى غرار “حزب الله”، أبلغت أن الأمر سيكون مرهوناً بعملية إنضاج طويلة، من خلال مفاوضات طويلة مع الجانب الرسمي اللبناني، يتم فيها التوافق على تطمينات وضمانات.
ومنذ ذلك الحين، لم يكلف المسؤولون اللبنانيون أنفسهم حتى عناء الشرح والتبرير للرأي العام، لماذا يتعثرون في ملف السلاح الفلسطيني على رغم الاتفاق الرسمي المنجز، وكيف تنوي السلطة اللبنانية أن تتصرف في هذه الحال. بل إن هؤلاء يراهنون على إخفاء هذا الملف خلف ملف أكثر سخونة، هو سلاح “حزب الله”.
تقول القوى الفلسطينية إن لسلاحها في لبنان “وظيفة نضالية”، ولذلك يستحيل عليها أن تتخلى عنه وتبقى مكشوفة لإسرائيل. لكن المثير هو أن الجانب الرسمي اللبناني لا يتوانى عن إطلاق الوعود أمام توم برّاك والمجتمع الدولي باحتكار الدولة للسلاح عاجلاً أو آجلاً، من دون أن يوضح كيف سيتعاطى مع حال الرفض المزدوجة لهذا القرار، من جانب الفلسطينيين و”الحزب”.
فوق ذلك، عمد “الحزب” إلى التصعيد في الأسابيع الأخيرة. وبعدما كان يعلن استعداده، ولو شكلاً، للحوار حول مستقبل السلاح، فهو بات يجاهر: سلاحي خارج النقاش، أياً كانت الظروف. ويمكن القول إن أي تعهد من جانب لبنان الرسمي بنزع سلاح “الحزب” لا يمكن أن يتسم بالصدقية، لأن الذين يعجزون عن نزع الكلاشينكوفات وقاذفات الـ”آر بي جي” والقنابل اليدوية وبعض الصواريخ الصغيرة من المخيمات، لا يمكن أن يمتلكوا جرأة المواجهة مع حزب مدجج بترسانة هائلة موزعة على مناطق عدة. والذين يخافون مواجهة جماعة محصورة من فلسطينيي المخيمات، يخشون حتماً مواجهة طرف لبناني ذي فاعلية بحجم “حزب الله”.
وفي أي حال، هناك تقاطع موضوعي، علني ومستتر، بين السلاح الفلسطيني وسلاح “الحزب”، بحيث تصعب معالجة أحدهما بمعزل عن الآخر. ففي الدرجة الأولى، يتبنى الجانبان سردية واحدة هي “المقاومة”، التي تشكل مظلة سياسية وأيديولوجية مشتركة، حتى لو اختلفا في التكتيك أحياناً. ولذلك، عندما يرفض “الحزب” نزع سلاحه، هو يدعم في شكل غير مباشر موقف الفصائل التي ترفض أيضاً نزع سلاحها وتسأل: إذا كان سلاح “الحزب” مقدساً، فلماذا لا يكون سلاحنا كذلك؟
والأهم هو التنسيق الأمني واللوجستي بين “حزب الله” والعديد من الفصائل الفلسطينية، مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، والذي يشمل تبادل المعلومات والتدريب وتسهيل حركة السلاح أو الأفراد. كما أن المخيمات الفلسطينية في الجنوب كالرشيدية والبرج الشمالي وعين الحلوة تقع في محاذاة مناطق “الحزب”، ما يسهل التنسيق.
بل إن هناك من يرى أن “الحزب” يستفيد من وجود السلاح الفلسطيني في المخيمات كـ “ورقة ضغط” إضافية أو كـ “قوات احتياط” يمكن الاستعانة بها عند الضرورة، ربما لأداء مهمات لا يرغب “الحزب” في تحمل مسؤوليتها المباشرة. ويُمكن أن تنسب إلى فصائل فلسطينية، على رغم صعوبة تحرك أي فصيل فلسطيني في مناطق نفوذ “الحزب” من دون علمه أو موافقته. ويدرك “حزب الله” أن وجود السلاح الفلسطيني في المخيمات يجعله أقل عزلة في مواجهة الضغوط. ويمكن أن يستخدم “حزب الله” ملف السلاح الفلسطيني ورقة مساومة في أي مفاوضات مستقبلية حول سلاحه، أي إن يشترط معالجة ملفات السلاح غير الشرعي كلها في لبنان على قدم المساواة، بدءاً بالسلاح غير اللبناني. وهذا ما يؤدي إلى خلق تعقيدات تعطل العملية برمتها.
وفي المحصلة، ليس مستغرباً أن تصطدم المحاولات الجدية لمعالجة ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات بموقف رافض من “حزب الله”، واضح أو ملتبس، وحتى إشعار آخر، سيتشارك الطرفان في تشكيل معادلة أمنية وسياسية متشابكة، وسيبقى متعذراً على الدولة اللبنانية تفكيكها، إلى أن تحين لحظة التسويات الموعودة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us