قانون الإيجارات غير السكنية يتراجع إلى الوراء: تمديدٌ للمستأجرين… وإجحافٌ للمالكين!

منح المستأجرين فترات تمديد تصل إلى ثماني سنوات، هو ضرب لكلّ منطق سوقي، فالعلاقة بين المالك والمستأجر يجب أن تُنظّم بعقدٍ متوازنٍ، لا بقراراتٍ أحاديةٍ تميل دومًا لمصلحة طرف على حساب الآخر. هذا ليس إصلاحًا، بل استمرار للإجحاف!
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
أقرّ مجلس النواب في جلسته التشريعية، أمس، اقتراح القانون الرامي إلى تعديل بعض أحكام القانون رقم 11 الصادر بتاريخ 12/6/2025، المتعلّق بالإيجارات للأماكن غير السكنية، وذلك وفق التعديلات التي رفعتها لجنة الإدارة والعدل. وتأتي هذه الخطوة بعد أقلّ من شهرَيْن فقط على دخول القانون حيّز التطبيق، ما أثار موجةً من الجدل السياسي والقانوني والحقوقي، لا سيّما في ظل الانقسام الحادّ بين مصالح المستأجرين من جهة، ومطالب المالكين من جهة أخرى.
وبحسب تفاصيل الجلسة، نال التعديل موافقة خمسة وستين نائبًا، في حين عارضه عشرون نائبًا وامتنع خمسة عشر آخرون عن التصويت. وقد اعتبر نوّاب كُثر أنّ التعديلات “ضرورية لحماية الاستقرار الاجتماعي للمستأجرين”، فيما رأى آخرون أنّها “تشريع إضافي لظلم تاريخي وقع على المالك اللبناني منذ أكثر من أربعة عقود”.
ونصّت التعديلات على خفض بدل المثل من 8% إلى 5% من القيمة البيعيّة للمأجور بوضعه الحالي، ما يعني فعليًّا تخفيض العائدات العقارية للمالكين بشكلٍ ملحوظٍ، في ظلّ غياب أي آليّة تعويض واضحة.
كما قسّمت تعديلات المستأجرين إلى أربع فئات، لكلٍّ منها مدّة تمديد مختلفة:
– الفئة الأولى: المستأجرون المنظمة إيجاراتهم بعقودٍ، تمدّد تلقائيًا لمدّة خمس سنوات.
– الفئة الثانية: الذين دفعوا “الخلو” قبل عام 2015، تمدّد إيجاراتهم لمدّة ست سنوات.
– الفئة الثالثة: الذين دفعوا “الخلو” بعد عام 2015، تمدّد إيجاراتهم لمدّة سبع سنوات.
– الفئة الرابعة: تشمل إيجارات الدولة والمهن الحرّة القائمة على مؤسّساتٍ تجاريةٍ (مثل الصيادلة)، وتمّ تمديد إيجاراتهم لمدّة ثماني سنوات.
كما نصّت التعديلات على زياداتٍ تدريجيةٍ على بدلات الإيجار تتفاوت بين الفئات، لكنّها تؤجّل تطبيق “بدل المثل” الحقيقي لسنواتٍ إضافيةٍ، ما يعني عمليًا إبقاء الإيجارات دون مستوى السوق لمدد طويلة، على الرغم من الانهيار النقدي والارتفاع الكبير في الأسعار.
واعتبر الكثيرون أنّ إلغاء فترة السنتين التي كان يمكن للمؤجّر خلالها التنازل عن الزيادات، وتحويل الإيجار مباشرةً بعد انتهاء التمديد إلى حرّية التعاقد، قد يبدو شكليًا متوازنًا، لكنّه في ظلّ تمديدٍ يصل إلى ثماني سنوات لبعض الفئات، يبقى بعيدًا عن إحداث أي تغيير فعلي سريع لصالح المالكين.
في الإطار، عبّر رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة، باتريك رزق الله، لموقع “هنا لبنان”، عن “استيائه الشديد من هذه التعديلات”، واصفًا إياها بأنّها “نكسة تشريعيّة تضرب بمبدأ العدالة عرض الحائط”.
ويضيف: “ما حصل هو نكسة حقيقية للمالكين القدامى، وتعدٍّ صارخ على حقوقنا التي لطالما نادينا بإعادة الاعتبار لها. بعد أربعين سنة من القوانين الاستثنائية والتمديدات القسرية، كنا نأمل أن يكون القانون رقم 11 خطوة أولى على طريق العدالة. لكنّنا فوجئنا بتعديلات تطيح بالمكتسبات وتكرّس واقعًا ظالمًا من جديد”.
ويتابع رزق الله: “خفض بدل المثل من 8% إلى 5% هو خطوة تفتقر لأي تبرير اقتصادي أو عقاري. فالعقار اليوم يُقيَّم بالدولار، والإيجارات ما زالت تُفرض على المالكين بالليرة، كيف يُعقل أن يتحمّل المالك هذا الفارق من دون أي تعويض؟”.
ويرى أن “منح المستأجرين فترات تمديد تصل إلى ثماني سنوات، هو ضرب لكلّ منطق سوقي”، موضحًا: “العلاقة بين المالك والمستأجر يجب أن تُنظّم بعقدٍ متوازنٍ، لا بقراراتٍ أحاديةٍ تميل دومًا لمصلحة طرف على حساب الآخر. هذا ليس إصلاحًا، بل استمرار للإجحاف”.
ويضيف: “نحن لا نرفض مبدأ الحماية الاجتماعية للمستأجرين، لكن أين الحماية الاجتماعية للمالكين؟ من يعوّض على الذين خسروا جزءًا من دخلهم لسنوات طويلة؟ من يعوّض على مَن تقاعدوا ولا يملكون مصدر دخلٍ سوى هذه العقارات؟”.
ويردف رزق الله: “آن الأوان لتوحيد قوانين الإيجارات في لبنان، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر على قاعدة الحقّ والعدالة، لا على قاعدة الامتيازات والتعديلات المتكرّرة. نحن كمالكين تعبنا من الانتظار، وندعو السلطة التشريعية إلى الاستماع إلينا قبل فوات الأوان”.
بين الإنصاف والتسييس: إلى أين تتجه العلاقة الإيجارية في لبنان؟
الجدل حول قانون الإيجارات في لبنان ليس بجديدٍ. فمنذ نهاية الحرب الأهلية، بقيت العلاقة بين المالكين والمستأجرين محكومةً بقوانين استثنائية، فرضت على آلاف المالكين قبول بدلات إيجارٍ رمزيةٍ. واليوم، وبينما يحاول البعض تصحيح هذا المسار، يعود المشهد إلى المربّع الأوّل من خلال تعديلاتٍ تؤجّل الإنصاف مرة جديدة.
فهل تكون هذه التعديلات بداية أزمةٍ جديدةٍ؟ أم أنّها حلّ موقّت يُرضي طرفًا على حساب آخر؟ الأكيد أن النقاش حول الإيجارات في لبنان لن يُحسمَ في جلسةٍ واحدةٍ، بل يتطلّب رؤيةً تشريعيةً شاملةً تُعيد التوازن إلى العلاقة العقارية، وتحترم حقوق جميع الأطراف من دون انحياز.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() انهيار قياسي: تراجع 50% في أسعار الشقق السكنية وركود في سوق الضاحية الجنوبية! | ![]() بيروت على حافة الصمت: بلدية مشلولة تصارع الانهيار بثلاثة خيوط أمل | ![]() عودة جورج عبدالله: خطاب على أنقاض التاريخ |