تفجير المرفأ وسلاح “الحزب”… وجهان لاغتيال الدولة!


خاص 4 آب, 2025

لا يمكن أن تنهض الدولة في ظلّ سلاحٍ خارجٍ عن الشرعية، تسيطر عليه طهران وتستخدمه كورقة ضغط في مفاوضاتها الإقليمية. الأمر الذي يتطلّب تكاتفًا وطنيًا لمؤازرة رئيس الجمهورية والقرارات الحكومية التي ستُتّخذ غدًا الثلاثاء.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

خمسة أعوام مرّت على تفجير مرفأ بيروت، أكبر تفجير غير نووي في التاريخ الحديث، ولا تزال العدالة رهينة التسويف والمماطلة. خمس سنوات لم تكن كافيةً لـ”الطغمة الحاكمة” كي تضع متورطًا واحدًا في قفص الاتهام، بل تفنّنت خلالها في ابتداع الذرائع لطمس هوية الميليشيا المستفيدة من تخزين 2750 طنًا من نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12، وتهريبها لاحقًا في براميل موت متنقل، خدمةً لأنظمة الاستبداد والجريمة المنظمة.

تعود ذكرى الرابع من آب، هذا العام، والأنظار شاخصة نحو الأشهر الخمسة المقبلة، ترقّبًا لما سيتخذه المُحقق العدلي من خطوات حاسمة لكشف لائحة المتورّطين في هذه الجريمة التي قتلت أبناء العاصمة ومزّقت جسد الوطن. القرار الاتهامي المنتظر لا يمثل فقط خطوةً قانونيةً، بل هو مفصل تاريخي في سرديّة قيام الدولة أو سقوطها.

فأهمية صدور هذا القرار تكمن في كشف الحقيقة الكاملة، وفي إسقاط مبدأ “عفا الله عما مضى”، الذي لطالما تبنّته الطغمة الحاكمة لحماية نفسها ومصالحها. واليوم، تتزامن هذه اللحظة مع ديناميكيةٍ استثنائيةٍ يفرضها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، إلى جانب رئيس الحكومة الدكتور نوّاف سلام، من خلال سعيٍ واضحٍ إلى تفعيل عمل المؤسسات، والالتزام الجدي ببنود البيان الوزاري، ووضع خطة عملية لتنفيذه.

إنها مقاربة جديدة في الحكم، تُشكّل فاصلاً حقيقيًا بين البيانات الإنشائية والوعود الفضفاضة من جهة، وبين توْق اللبنانيين إلى دولةٍ عادلةٍ ومكتملة الأركان من جهة أخرى.

ندخل هذا الأسبوع الحاسم بشعارٍ كُتبَ بدماء الضحايا: “دولتي فعلت هذا”. جملة تختصر وجع شعبٍ وخيانة سلطة. لكنّ ما هو آتٍ يجب أن يكون على مستوى التضحيات. فالدولة مسؤولة اليوم عن استعادة قرارها من الدويلة التي جرّت لبنان إلى مشاريع إقليمية، وأغرقته في الدم والخراب.

آن الأوان لأن تتوقّف مغامرات “حزب الله”، وأن يُسلِّم سلاحه إلى الدولة، ضمن جدول زمني واضح، ومن دون مواربة أو تهديد. فلا تهديداته للمحقق العدلي أثمرت، ولا تهديد إسرائيل بإزالتها من الوجود يؤخذ على محمل الجدّ. آن للبنانيين، التوّاقين إلى قيام الدولة، أن يقفوا في وجه ابتزاز الميليشيا السياسي، الذي يحاول فرض شروطها على مجلس الوزراء بذريعة “ضمان المشاركة”.

فمنذ حرب تموز 2006، مرورًا بالتورّط في قمع الثورة السورية دفاعًا عن طاغية دمشق، وصولًا إلى مغامرة “طوفان الأقصى”، لم تُشرك ميليشيا “حزب الله” اللبنانيين في قراراتها، بل استدرجت إلى البلاد ضربات إسرائيلية دمَّرَت الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، ووضعت أمن اللبنانيين وسلامتهم في مهبّ الخطر الدائم.

قالها الرئيس جوزاف عون بوضوح: “دقّت ساعة الحقيقة. الحقيقة التي تقضي بقيام دولةٍ ذات سيادة، تبسط سلطتها على كامل أراضيها، ولا تخاف من مطالبة “حزب الله” علنًا بوضع جدولٍ لتسليم سلاحه”. فكما انصاعت ميليشيات أخرى قبله، بعد أن دفعت البلاد أثمانًا باهظة، على “الحزب” الانصياع لدولة القانون وليس لأي طرف آخر، وتحديدًا إسرائيل التي تتفنّن في استهداف مواقعه وما تبقى من عناصره.

وتكمن أهمّية ما يقوم به الرئيس عون في أنه لا يكتفي بالقول، بل يُقرنه بالفعل، في محاولةٍ جادّةٍ لترسيخ مشروع الدولة، التي لا يمكن أن تنهض في ظلّ سلاحٍ خارجٍ عن الشرعية، تسيطر عليه طهران وتستخدمه كورقة ضغط في مفاوضاتها الإقليمية. الأمر الذي يتطلب تكاتفًا وطنيًا لمؤازرة رئيس الجمهورية والقرارات التي تصبو الحكومة إلى اتخاذها في جلستها المقررة غدًا الثلاثاء.

وفي هذا السياق، تبرز خصوصية موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي بات من الضروري أن يميّز بين المكوّن الشيعي اللبناني والمشروع الإيراني العابر للحدود، رأفةً بأبناء طائفته، وحرصًا على مستقبل جميع اللبنانيين. إنه لمفترق مصيري. إمّا تنتصر فكرة الدولة، وإمّا الدويلة. والخيار الآن، ليس في يد الخارج، بل في يد اللبنانيين أنفسهم. ونجاح العهد في وضع المدماك الأول لبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرًا، وإن كان قرارًا حكوميًا جريئًا إلّا أنّ نجاحه يتطلب تكاتفًا وطنيًا وشعبيًا… مطلوبٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us