نيترات السلاح في عنبر الحكومة


خاص 4 آب, 2025

رحلة استعادة سيادة لبنان لن تكون بالأمر الهيّن، لكنّ السيادة كي تُستعاد، تبدأ فقط بإنهاء سلاح “الحزب” كشرطٍ أوليّ لإنهاء ادعاءات التطرّف الإسرائيلي وأوهام الهيمنة الإيرانية.

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

يشهد لبنان اليوم وغدًا حدثَيْن تاريخيَيْن هما: الأول، الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت الهائل التي يستعيدها لبنان اليوم وكأنّها حدثت للتوّ. والثاني، شروعُ مجلس الوزراء غدًا وللمرة الأولى في تاريخ سلاح “حزب الله” في مناقشة طريقة تسليمه إلى الدولة اللبنانية. وسيكون هناك رابط بين هذَيْن الحدثَيْن من خلال الشروع في كشف ملابسات مئات الأطنان من نيترات الأمونيوم التي وصلت إلى مرفأ بيروت في نهاية العام 2013 واستقرّت في العنبر رقم 12 طوال أعوام حتى انفجرت في 4 آب 2020 ليكون الانفجار الأول من نوعه غير النووي في التاريخ. ثم الشروع غدًا في كشف ملابسات السلاح الذي أمسك به الحزب منذ منتصف ثمانينيّات القرن الماضي وأدّى إلى تفجير لبنان عام 2006 ثم بدءًا من عام 2023 مُهدّدًا بانفجار جديد لا أحد يتصوّر اليوم كم ستكون أهواله الآتية.

لم يتسنَّ للبنان إبطال مفعول أطنان نيترات الأمونيوم، فكانت أن انفجرت قبل 5 أعوام محدثةً كارثةً لا مثيل لها في تاريخ هذا البلد. لكنّ لبنان ما زالت أمامه فرصة لإبطال ما تبقى من سلاح “حزب الله” الذي سيكون حتمًا سبب الكارثة الهائلة التي ستلحق بهذا البلد إذا لم تسيطر الدولة عليه نهائيًا كي لا نندم لاحقًا حيث لن ينفع الندم.

تتجمّع المؤشرات حول مرحلة وصل إليها لبنان لم تكن مُتاحة من قبل. وقد أُتيحت هذه الفرصة بعد الحرب المدمّرة التي انطلقت في 7 تشرين الأول 2023 تحت عنوان “طوفان الأقصى” فكانت بداية نهاية سيطرة “حماس” على قطاع غزّة الفلسطيني، وما رافق ذلك ولا يزال من أهوال لحقت بمئات الآلاف من أهل غزّة. ثم وصلت إلى لبنان في اليوم التالي، أي في 8 تشرين الأول من العام نفسه، تحت عنوان “حرب الإسناد” التي أعلنها الأمين العام السابق لـ”حزب الله” حسن نصر الله فكانت أن أصبحت حربًا مدمرةً أتت على نصر الله نفسه في أيلول الماضي.

تمنّى لبنان كما تمنّت فلسطين، ألّا تكون هناك حرب سواء بمسمّى “طوفان الأقصى” أو بمسمّى “حرب الإسناد”. لكن ليس كل ما تمنّاه الشعبان أدركاه. لكن اليوم، والاهتمام يتركّز على لبنان، يتّضح أنّ من شنّ “حرب الإسناد” لم يتعلّم بعد من نتائجها. ومن يُتابع المقدّمة الإخبارية لإحدى نشرات قناة تلفزيون “المنار” التابعة لـ”حزب الله” قبل يومين، يَتَبَيّنُ له أنّ جماعة “الإسناد” يمضون مُجدّدًا وبعنادٍ لا مثيل له نحو هاوية حربٍ جديدةٍ يعلمون مسبقًا أنّها ستكون وبالًا ليس عليهم فحسب، وإنما على لبنان المنكوب بسلاحهم ونفوذهم المستمر حتى الآن. وما جاء في هذه المقدمة: “لن نُسَلِّمَ السلاحَ قبلَ قيامِ دولةٍ مستقلةٍ، وليَقُلِ الموفدُ الأميركيُ ما يشاء… في لبنان، استسلامُ البعضِ للضغوطِ الأميركيةِ لن يجعلَ البلدَ مُستسلِمًا ويجعلَ أهلَهُ فاقدي الحيلةِ للدفاعِ عن مصالِحِهم”… هذا ما اختارَهُ حزبُ الله من جوابٍ يحمي البلاد والعباد، فماذا سيختارُ الآخرون؟ الأمورُ بعهدةِ الأيام، وما ستحمله من مباحثاتٍ ومشاوراتٍ قبل الثلاثاء.

تكدّست أطنان النيترات في مرفأ بيروت حتى انفجرت في 4 آب 2020. ويتكدّس ما تبقّى من أطنان أسلحة “حزب الله” بعدما انفجر بها لبنان في تموز 2006 ثم انفجر تباعًا من تشرين الأول عام 2023 ولغاية 27 تشرين الثاني 2024.

سيقرّر التحقيق القضائي الذي يتولّاه المُحقّق العدلي طارق البيطار والذي يتمتّع حاليًا بفرصةٍ لم تكن مُتاحةً قبل التغييرات التي حصلت في لبنان بعد الحرب الأخيرة، أنّه بعد انفجار المرفأ هناك فرصة لكشف الضالعين الذين ورّطوا لبنان وهم ما زالوا فالتين من العقاب.

كما سيقرّر مجلس الوزراء غدًا، إذا ما حزم المسؤولون أمرهم وسط فرصة متاحة غير مسبوقة، أن يعطّل مبكرًا مفعول أطنان الأسلحة والذخائر التي كدّسها “حزب الله” والتي لم يلحقها التدمير الإسرائيلي بعد، كي لا يكون انفجارها المقبل في أجساد اللبنانيين وممتلكاتهم.

بات واضحًا أنّ قرارًا قد اتخذ بإنهاء حركة “حماس” تنظيمًا مسلحًا له دور مقبل في غزّة. كما بات واضحًا أن قرارًا مماثلًا قد اتخذ بإنهاء “حزب الله” تنظيمًا عسكريًا يعمل في لبنان.

عندما طرح المبعوث الرئاسي الأميركي توم باراك قبل أسابيع أن يتحول “حزب الله” إلى العمل السياسي قابل الحزب هذا الطرح بآذان صمّاء. فهل اعتاد “حزب الله” فقط على أصوات خرق جدار الصوت التي تحدثها الطائرات الحربية الإسرائيلية ولا يستطيع سماع أصوات أخرى تمثّل صوت العقل؟

تقع المسؤولية غدًا في جلسة مجلس الوزراء على صوتٍ واضحٍ وقويّ بشكلٍ كافٍ يقول لـ”حزب الله” لن نسمح أن يتكرّر في عنبر الحكومة الحالية، ما حصل في العنبر الرقم 12 في مرفأ بيروت قبل 5 أعوام.

هل بدأت مسيرة خلاص لبنان قضائيًا وسياديًا؟ يأتي الجواب من مصدرَيْن على طرفَيْ نقيض: الأول، من صحيفة “هآرتس” التي لفتت إلى نوايا التشدّد اليميني في الحكومة الحالية التي يترأسها بنيامين نتنياهو. والثاني، من صحيفة “كيهان” الإيرانية الناطقة بلسان المحافظين الذين يحكمون إيران.

ورد في “هآرتس”: لم يعد حلم السيادة على أرض إسرائيل بأكملها مقتصرًا على الضفة الغربية والأراضي المقدسة في قطاع غزّة. ووفقًا لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يجب أن تمتدّ حدود الدولة أيضًا إلى لبنان. “اليوم أستطيع أن أقول لكم بأوضح طريقة ممكنة أن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب – وبعون الله، لن ينسحب – من المواقع الخمسة التي نتواجد فيها في لبنان”، قالها بحماسةٍ في مؤتمر “تعزيز الشمال” الأسبوع الماضي. وأضاف: “القرى الشيعية التي دُمِّرَت لن يتمّ إعادة بنائها. لقد وعدنا بذلك عندما وقعنا على اتفاق “وقف إطلاق النار”، وكان من الصعب على الكثير من الناس تصديقه. لكننا نفعل ذلك”.

في المقابل، ورد في عدد “كيهان”، أمس، مقالًا افتتاحيًا جاء فيه: “إن منطق “حزب الله” واضح، فهو يقول إن “إسرائيل” غير ملتزمة بالقرار 1701 ولطالما نقضت وقف إطلاق النار. وتعلم الحكومة اللبنانية أنّ لها صلاحية محدودة تجاه سلاح “حزب الله” ولا يمكنها قبول أمر لا يقبله الحزب والشيعة. من هنا فهي تسير بِتُؤَدَةٍ كي لا تتبعثر الأمور في الداخل اللبناني وتتعرض الحكومة للخطر. إذًا، من الواضح أن “حزب الله” بصفته صاحب سلاح ومقاومة هو من يحدّد المصلحة”.

ما ورد على لسان وزير المالية الإسرائيلي الذي يمثّل أقصى التطرّف في الدولة العبرية، وما جاء في افتتاحية “كيهان” الإيرانية، يؤكدان أن رحلة استعادة سيادة لبنان لن تكون بالأمر الهيّن. لكنّ السيادة كي تُستعاد، تبدأ فقط بإنهاء سلاح “حزب الله” كشرطٍ أوليّ لإنهاء ادعاءات التطرّف الإسرائيلي وأوهام الهيمنة الإيرانية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us