الذكاء الاصطناعي في صلب مستقبل الطب: مؤتمر الجمعية الطبية اللبنانية الدولية ILMA يسلّط الضوء على التحوّل الرقمي والتحديات الأخلاقية Ask ChatGPT

في عصر الذكاء الاصطناعي، الذي يُحدث تغييرات جذرية في مختلف المجالات لا سيما في قطاع الصحة، كان من الطبيعي أن يشكل هذا الموضوع أحد المحاور الرئيسية للمؤتمر السنوي الثاني للجمعية الطبية اللبنانية الدولية ILMA، الذي عُقد يوم السبت ٢٦ تموز في فندق فينيسيا إنتركونتيننتال في بيروت.
طيلة هذا اليوم العلمي، ناقش المشاركون مواضيع دقيقة ومتخصصة من بينها: “الرعاية الصحية عن بُعد في لبنان: التجارب والتحديات وآفاق التطوير”، و”إعادة تصور الطب: الذكاء الاصطناعي في صلب الرعاية والنظم الصحية والتعليم الطبي”، و”الأبعاد الأخلاقية للذكاء الاصطناعي: كيفية التعامل مع واقع جديد ومعقد”.
يقول الدكتور فيكتور يزبك، عضو اللجنة العلمية للمؤتمر: “الذكاء الاصطناعي بدأ يغيّر طريقة ممارسة الطب من خلال تحسين التشخيصات، وتسهيل الإجراءات الإدارية، وتوفير خطط علاجية أكثر ملائمة لحالة كل مريض”. ويضيف: ” الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تحليل بيانات معقدة – من الصور الطبية إلى الجينوم – بسرعة ودقة. كما يساهم في الكشف المبكر عن الأمراض وفي توزيع أفضل للموارد، مما يُحسن نوعية وفعالية الرعاية الصحية”.
في أيامنا هذا، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات طبية، أبرزها: التصوير الطبي والتشخيص (مثل الأشعة وعلم الأمراض)، الجراحة بمساعدة الروبوت، وإدارة صحة السكان. إنه يخوّل أيضاً التنبؤ بتطور الأمراض، تقليل نسب إعادة دخول المستشفيات، وتوفير الدعم للمرضى عبر مساعدين افتراضيين.
في لبنان، الذكاء الاصطناعي لا يزال في بداياته
لبنان لا يغيب عن هذه التطورات. بيد أن هذه المبادرات لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن بعض المستشفيات الخاصة بدأت في إدخال الذكاء الاصطناعي في خدماتها. ويشرح الدكتور يزبك: “يمكن للبنان الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين فعالية النظام الصحي، خفض التكاليف، ومعالجة النقص في الكوادر الطبية”. ويتابع: “اعتماد سياسات مناسبة وتطوير شركات فعالة يسمح بتعزيز خدمات الطب ووسائل التشخيص عن بعد، وتحسين توزيع الموارد خاصة في المناطق المهمشة والنائية”.
في هذا الإطار، تلعب ILMA دوراً محورياً من خلال “تعزيز تبادل الخبرات، وتسهيل التعاون الإقليمي من خلال تنظيم لقاءات علمية وتدريبية والسهر على تطبيق أخلاقي ومسؤول لهذه التكنولوجيا”. تهدف هذه المبادرات إلى “خلق حوار فعّال بين العاملين في القطاع الصحي، وتبادل الخبرات الناجحة، وضمان دمج الذكاء الاصطناعي في النظام الصحي اللبناني بطريقة مسؤولة ومستدامة”.
التحديات الأخلاقية
هذا التقدم التكنولوجي يطرح عدة أسئلة أخلاقية: “كيف نضمن حماية خصوصيات المريض؟ من يتحمل مسؤولية القرار عندما يكون الذكاء الاصطناعي جزءاً من العملية؟ ما مصير العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض؟”
يشير الدكتور فرانسوا ابي فاضل، عضو اللجنة العلمية للمؤتمر، أنه “مع دخول عصر الذكاء الاصطناعي، يتجه الطب نحو التركيز على الدقة، والوقاية، وتقديم رعاية صحية مخصصة بشكل أفضل”. ويضيف بأن هذا سيتيح “إجراء تشخيصات مبكرة وأكثر دقة، وتدخلات طبية أكثر استهدافاً، وتحسين التواصل مع المرضى عبر الأدوات الرقمية، بالإضافة إلى توفير رعاية أكثر عدالة بشرط أن يتم تطبيق الذكاء الاصطناعي بمسؤولية”.
ويشدد على أن “ضمان استمرارية وعدالة هذا النموذج الطبي الجديد يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الأطباء والتقنيين وصانعي السياسات والأخصائيين في علم الأخلاقيات وذلك ليتسنى للجميع الاستفادة من هذه التكنولوجيا وليس فقط من يستطيع تحمّل تكلفتها”.
روابط، شراكات، والتزام
نُظم المؤتمر بالتعاون مع وزارة الصحة العامة، ونقابتي الأطباء في بيروت وطرابلس، والمنظمة الدولية للهجرة (IOM-UN Migration). وشارك فيه أكثر من ٥٠٠ اختصاصي في الصحة من لبنان وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا والسويد وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا وزامبيا وغانا والمكسيك والبرازيل والمملكة العربية السعودية.
في افتتاح المؤتمر، شدد الدكتور وليد احمر، رئيس ILMA، على أهمية هذا اللقاء الذي “يتجاوز كونه فعالية مهنية فحسب – فهو احتفال بالتواصل، والتعاون، والالتزام. إنه يجمع بين العاملين في مجال الرعاية الصحية اللبنانيين من جميع أنحاء العالم، والذين يتشاركون الشغف بالطب والتعليم وخدمة مجتمعاتنا المحلية ووطننا الأم”.
أضاف: “يأتي مؤتمر هذا العام في وقت يجمع بين التحديات والفرص. فأنظمة الرعاية الصحية حول العالم تواجه ضغوطاً متزايدة، في حين أن التقنيات الحديثة والتعاونات العابرة للحدود تعيد تشكيل طريقة ممارستنا للطب. وفي هذا السياق، تبرز الجمعية الطبية اللبنانية الدولية كقوة موحدة – تتجاوز الحدود، وتعزز تبادل المعرفة، والتضامن، والابتكار”.
من جهته، أكد وزير الصحة العامة الدكتور ركان ناصر الدين أن “نجاحات الجالية الطبية اللبنانية في الخارج ترفع اسم لبنان عالياً، من الابتكارات الجراحية إلى ريادة الذكاء الاصطناعي في الطب”. وأضاف: “لكن المطلوب اليوم هو الانتقال من مبادرات فردية إلى شراكات منسّقة ومستدامة، مبنية على الحاجات الوطنية ومرتبطة مباشرةً بالاستراتيجية الصحية في لبنان.”
واعتبر وزير الصحة أن “من أبرز فرص هذا التعاون هو التحوّل الرقمي، الذي يمكنه ربط مقدمي الرعاية، تمكين المرضى، واستعادة الثقة بالنظام الصحي”. وأضاف: “يسعدني أن أعلن عن قرب إطلاق استراتيجية لبنان للصحة الرقمية، خارطة طريق لدمج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في جميع مستويات الرعاية الصحية.” وختم قائلاً: “رغم الأزمات، لبنان لا يزال ينبض بفضل طاقاته في الداخل والاغتراب. نطمح ليوم يعود فيه اللبنانيون ليقودوا مؤسساتهم بأنفسهم، لا كدعم خارجي، بل كشركاء في رسم مستقبل الوطن”.
وتجدر الإشارة أن نقابة الممرضات والممرضين في لبنان شاركت بشكل لافت في هذا المؤتمر، حيث كانت النقيبة عضوًا في اللجنة التنظيمية، وشاركت كميسّرة جلسة ومشارِكة في لجنة نقاش ضمن البرنامج العلمي. وتمثّلت النقابة أيضًا في مختلف الجلسات العلمية والنقاشية من خلال حضور ممثلين عنها، حيث قدّموا رؤى وتجارب قيّمة أبرزت أهمية الدور المحوري الذي تؤديه الممرضات والممرضون في هذا المجال الحيوي.
شبكة دولية
ILMA هي شبكة دولية تضم مهنيين صحيين من أصل لبناني من أكثر من ٢٠ دولة. وتهدف إلى تطوير المعرفة الطبية، تعزيز الصحة العامة، وبناء جسور بين المغتربين، وبلدان إقامتهم، ولبنان. ويعمل أعضاؤها – من أطباء وأطباء أسنان وصيادلة وممرضين وباحثين وطلاب – على دعم الأنظمة الصحية، وتعزيز التعاون المهني، وتشجيع الابتكار في لبنان والعالم، مستندين إلى قيم الوحدة، والخدمة، والتميّز.
شهدت الجلسة الافتتاحية حضور وزير الصحة العامة في لبنان الدكتور ركان نصر الدين ممثلاً رئيس الجمهورية، والسيدة سعاد الرامي ممثلة وزير الخارجية، والنواب الدكتور رازي الحاج والدكتور عبد الرحمن البزري والسيد إلياس جرادي، ونقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان البروفسور بيار يارد، والدكتور جورج عساف ممثلاً نقيب الأطباء في بيروت، ونقيب الأطباء في طرابلس الدكتور إبراهيم المقدسي، ونقيب الصيادلة الدكتور جو سلّوم، ونقيبة الممرضين والممرضات السيدة عبير كردي علامة. كما حضر رئيس وزراء لبنان السابق حسان دياب، ووزير الصحة العامة السابق البروفسور فراس أبيض، ونقيب أطباء بيروت السابق الدكتور شرف أبو شرف، وممثلون عن نقابتي المحامين وأطباء الأسنان في لبنان، ومدير منظمة الهجرة الدولية في لبنان السيد ماتيو لوتشيانو، ورؤساء جمعيات طبية، وممثل عن نقابة المحامين في لبنان، إلى جانب ممثلين عن الأجهزة الأمنية، عمداء كليات الطب في لبنان، وسفراء وممثلين عن المجتمع المدني وشخصيات دبلوماسية ودينية.
مواضيع ذات صلة :
![]() أرباح مايكروسوفت تتجاوز التقديرات بفضل تقنيات السحابة والذكاء الاصطناعي | ![]() من سيفوز بالكرة الذهبية؟ الذكاء الاصطناعي يكشف! | ![]() مدعوم بالذكاء الاصطناعي.. إطلاق نسخة مشجعي برشلونة من هاتف “نوكيا” 3210 |