فادي مصري: نقابة المحامين لن تساوم وستتابع النضال لكشف حقيقة 4 آب

صدر عن نقيب المحامين في بيروت فادي مصري، بمناسبة الذكرى الخامسة لتفجير مرفأ بيروت، البيان الآتي:
“أيها اللبنانيون،
أهالي شهداء الواجب وأهالي الضحايا،
الجرحى والمعذّبون والمنكوبون،
تعود اليوم ذكرى الفاجعة لتقرع الوجدان، لا كتاريخ عابر، بل كجرح مفتوح لا يُشفى.
قبل خمس سنوات، فُجِّر مرفأ العاصمة، فاهتزّت بيروت وجوارها، وسقط الشهداء والضحايا، وتضرّرت المدينة بأحيائها التاريخية العتيقة وأبنيتها الجديدة وبأبراجها الشاهقة وذُهل العالم من هول الكارثة، فيما بقيت الدولة متفرجة والمرتكبون، حتى الساعة، بلا محاسبة، والعدالة تتقدّم ببطء، مثقلةً بالعراقيل وتعطلها التجاذبات.
في حضرة الشهداء والضحايا والمتضررين جسدياً ومعنوياً ومادياً، لا نملك ترف الإنشاء، بل واجب الحقيقة.
وفي ظل صبر الأهالي، لا نُجيد إلا العمل ولا نلتزم إلا بالفعل.
ومن على منبر نقابة المحامين في بيروت، التي أصابها ما أصاب أهل المدينة، لا نُطلق المواقف للاستهلاك، بل نصوغها التزامًا ومسارًا.
لقد كانت نقابة المحامين، منذ اللحظة الأولى، في قلب المواجهة القضائية والحقوقية وفي عمق المأساة الإنسانية فوقفت ونظّمت وجنّدت وتوكّلت وواجهت الفاجعة بالأمل والعلم والعمل وقبل كل شيء بالإرادة.
منحت صوتها للضحايا، ومنبرها للمظلومين، وتقدّمت بصفتها ممثلة عن الضحايا لمن لا سند لهم.
فوُجِد مكتب الادعاء في النقابة، ليكون مركزاً منظٍّماً لحراك قانوني وأخلاقي، لا تنفصل فيه المهنة عن القضية، ولا يتوارى فيه الضمير وراء الصمت.
لسنوات، واجه التحقيق العدلي عراقيل ممنهجة، ومحاولات تعطيل صريحة، وقرارات صادمة، وعبثًا قضائيًا لم يشهد لبنان له مثيلًا.
ورغم كل ذلك، لم نستسلم. وقفنا، وواجهنا، وقلنا “لا” بوجه من أصرّ على قتل الأمل والرجاء بعد أن أصاب البشر بالصميم فضلاً عن الحجر والبنيان.
وفي العام الماضي، وتحديدًا في الذكرى الرابعة، رفعنا بوضوح، ومن “بيت المحامي” بالذات، مطلبًا أساسيًا:
عودة التحقيق العدلي إلى مساره الطبيعي، وإزالة العوائق المفروضة عليه.
لم يكن المطلب شعارًا، بل موقفًا موثّقا ببيانات، ومرافعات، ومراجعات ومطالعات حثيثة أمام الجهات القضائية المختصة وبعمل صامت مع من يجب وحيث يجب وكما يجب من أجل صون التحقيق واستكماله ومنع إغتيال المسار العدلي للقضية الكبرى.
واليوم، في هذه الذكرى الخامسة، نقف أمامكم لنقول بصدق:
لقد وفينا.
عاد التحقيق العدلي إلى الحياة. تحرّر من الجمود، واستُأنفت الإجراءات، واستعاد الملف نبضه القضائي.
لقد تمكّنا، مع مكتب الإدعاء الذي يقوم بجهد جبّار، ومن خلال الإصرار والتنسيق مع أهالي الشهداء والضحايا ومن خلال العمل المستمر على مدار السنوات الخمس، من انتزاع هذا الإنجاز بمواجهة العجز والتعطيل.
وإننا في هذا اليوم، نعلن على الملأ، وبثبات وحزم كما عهدتمونا،
أولاً:
إن عودة التحقيق إلى مساره العدلي ليس نهاية المطاف بل إستمرار لمسيرة ومسار هدفهما الوصول بسرعة، ولكن دون أية ثغرات إجرائية أو قانونية، إلى المحاكمة أمام المجلس العدلي.
ثانياً:
نَعِدُ اللبنانيين بمتابعة القضية أمام المجلس العدلي، حتى يصدر الحكم العادل،
حكم لا يُظلم فيه بريء، ولا يُستثنى فيه مسؤول مهما علا شأنَهُ، ولا يُقفل فيه الباب على أي حقيقة.
سنُكمل حتى النهاية، لأن العدالة الحقيقية لا تعرف التسويات، ولا تُقايض بالسياسة، ولا تُطمَس بمرور الزمن.
ثالثاً:
إن التعويض على المتضررين، جميع المتضررين، من أصحاب الحق، أهالي الشهداء والضحايا، والجرحى والمصابين بممتلكاتهم، أمر أساسي، وعلى الدولة تحمّل مسؤولية هذا التعويض في مطلق الأحوال.
رابعاً:
إن كشف الحقيقة والمحاسبة هما الطريق الوحيد لبلسمة الجرح الذي أصاب الوطن مساء 4 آب 2020 وهما المفتاح لإعادة بناء الثقة المفقودة بين المواطن والدولة وبين صاحب الحق والقضاء، وبالتالي لعودة لبنان إلى مصاف الدول التي تحترم الإنسان وكرامته وسلامته وممتلكاته.
وفي الختام،
ان نقابة المحامين لن تتعب، لن تستكين، لن تساوم ستتابع النضال بإيمان وبحزم وبحكمة وبمناقبية من أجل إنتصار الحق والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب والحفاظ على الإنسان وعودة لبنان وطناً نفتخر به أمام الأمم ونسلّمه إلى أبنائنا أمانة ولا أغلى.
رحم الله شهداء الواجب والضحايا وبلسم جراح المصابين والمتألمين وحفظ لبنان على الدوام وطناً”.