جولة لاريجاني… قراءة إيرانية للمشهد اللبناني

لا تحمل زيارة لاريجاني إلى بيروت طابع المجاملة الدبلوماسية، بل تأتي كرسالة بأن إيران تريد أن تكون شريكًا فاعلًا في صياغة ملامح المرحلة المقبلة. ما سيقوله في بيروت، وما سيسمعه من نظرائه اللبنانيين، سيحدد إلى حد كبير إن كان المسار سيتجه نحو تفاوض يخفف التوتر، أو نحو مواجهة سياسية أكثر حدة
كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:
في أول جولة خارجية له منذ عودته إلى منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في 5 آب 2025، حطّ علي لاريجاني رحاله في بغداد صباح الإثنين 11 آب، على أن يتوجّه لاحقًا إلى بيروت في زيارة تمتد لثلاثة أيام، تحمل أبعادًا سياسية وأمنية تتجاوز الطابع البروتوكولي.
في العاصمة العراقية، التقى لاريجاني كبار المسؤولين، وشهد توقيع اتفاقية أمنية ثنائية لتعزيز حماية الحدود والتعاون الاستراتيجي، واصفًا الاتفاق بأنها “خطوة محورية لاستقرار المنطقة” ومؤكدًا أنّ أمن إيران “لا ينفصل عن أمن جيرانها”.
المحطة اللبنانية، وفق ما نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية، ستتضمن لقاءات مع الرؤساء الثلاثة، ورؤساء كتل نيابية، وشخصيات اقتصادية، في جدول مزدحم بالملفات من الأمن الإقليمي إلى تعزيز العلاقات التجارية. قبيل وصوله، وصف لاريجاني لبنان بأنه “دولة مؤثرة في غرب آسيا” مشددًا على أنّ الروابط التاريخية بين البلدين “قاعدة للتعاون في مواجهة الأزمات وتحقيق التنمية”.
وفي هذا الإطار، شدد لاريجاني على أنّ أيّ تعاون بين بيروت وطهران يجب أن يستند إلى الاحترام الكامل لسيادة لبنان واستقلال قراره الوطني، مؤكدًا أنّ الجمهورية الإسلامية “لا تسعى لفرض إملاءات، بل لدعم الشعب اللبناني ومؤسساته بما يتوافق مع أولوياته الوطنية”. هذه الرسالة تأتي في ظل مناخ سياسي متوتر، بعد أن أقرّ مجلس الوزراء اللبناني في 7 آب “أهداف” مقترح الموفد الأميركي توم باراك حول نزع سلاح حزب الله وإعادة حصرية السلاح بيد الدولة، مع تكليف الجيش وضع خطة تنفيذية، وهي خطوة أثارت اعتراضًا واضحًا من طهران.
ويبقى السؤال: كيف سيتعاطى معه مسؤولو الدولة الرسميون، وبخاصة الرئيسان عون وسلام، علمًا أنه لم تُحدَّد بعد مواعيد رسمية علنية، ما يفتح الباب أمام ترقّب الشكل الذي ستأخذه اللقاءات بين الجانبين، ومدى علنيتها أو بقائها في الإطار المغلق.
شخصية لاريجاني البراغماتية وخبرته الممتدة بين العمل البرلماني والمناصب الأمنية تمنحه قدرة على إدارة الملفات الحساسة، وهو ما يفسر تكليفه بهذه المهمة في توقيت إقليمي دقيق. عودته إلى موقع أمني حساس بعد نحو 18 عامًا على مغادرته له، تعكس ثقة القيادة الإيرانية بقدرته على الجمع بين الدبلوماسية المرنة والمواقف الصلبة.
بالنسبة للبنان، تطرح الزيارة ملفات شائكة: القرار 1701، انتشار الجيش في الجنوب، ضبط الحدود، ومستقبل دور حزب الله في الداخل. أي تقدم في هذه القضايا سيحتاج إلى توافق داخلي صلب قبل أي تفاهم خارجي، وإلى مظلة إقليمية ودولية توفر ضمانات للتنفيذ.
في المحصلة، لا تحمل زيارة لاريجاني إلى بيروت طابع المجاملة الدبلوماسية، بل تأتي كرسالة بأنّ إيران تريد أن تكون شريكًا فاعلًا في صياغة ملامح المرحلة المقبلة. ما سيقوله في بيروت، وما سيسمعه من نظرائه اللبنانيين، سيحدد إلى حد كبير إن كان المسار سيتجه نحو تفاوض يخفف التوتر، أو نحو مواجهة سياسية أكثر حدة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() السلاح تحت سلطة الدولة؟ | ![]() بالنسبة لبكرا… ما عاد في زياد | ![]() “لبنان عم يرجع” |