لبنان يرسم خطاً أحمر لإيران: عون يعلن السيادة الكاملة بوجه لاريجاني

الموقف الحازم الذي أعلنه الرئيس جوزاف عون أمام أرفع مسؤول أمني إيراني منذ سنوات، أطلق إشارة سياسية بأنّ لبنان يدخل مرحلة جديدة عنوانها ترسيم حدود التدخلات الخارجية وصون القرار الوطني المستقل. وبينما تصر طهران على تأكيد حضورها ودعم حلفائها، تبدو بيروت اليوم عازمة على تثبيت معادلة جديدة: دولة واحدة، سلاح واحد، وسيادة لا تتجزأ!
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في خطوة دبلوماسية لافتة، وصل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، أمس الأربعاء إلى بيروت، في زيارة تأتي بعد أيام على قرار الحكومة اللبنانية تكليف الجيش وضع خطة لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام. الزيارة، التي حملت رسائل سياسية متعددة، اصطدمت بموقف لبناني رسمي غير مسبوق من حيث الحزم والوضوح.
فخلال لقائه لاريجاني، أكد رئيس الجمهورية جوزاف عون أنّ لبنان يرفض أي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية، قائلاً في بيان رسمي: “نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة، ونريد أن تبقى الساحة اللبنانية آمنة ومستقرة لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين من دون تمييز”. وشدد عون على أنّ حمل السلاح والاستقواء بالخارج أمر مرفوض كلياً، وأن الدولة اللبنانية وقواها المسلحة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن أمن جميع المواطنين، معتبراً أنّ أي تحديات، سواء من إسرائيل أو غيرها، هي شأن وطني جامع، وأهم سلاح لمواجهتها هو وحدة اللبنانيين.
من جانبه، حاول لاريجاني تبديد المخاوف، مؤكداً فور وصوله إلى مطار بيروت أنّ بلاده ستقف إلى جانب الشعب اللبناني “في جميع الظروف”، مضيفاً: “إذا عانى الشعب اللبناني يوماً ما، فسنشعر نحن أيضاً في إيران بهذا الألم، وسنسعى دائماً لتحقيق المصالح الوطنية للشعب اللبناني”. وقد استُقبل المسؤول الإيراني من وفد مشترك من حزب الله وحركة أمل، فيما احتشد العشرات من مناصري الحزب على طريق المطار لتحيته.
وتأتي هذه الزيارة في ظل توتر سياسي واضح بين بيروت وطهران، على خلفية الموقف اللبناني الرسمي من ملف سلاح حزب الله، ورفض السلطات اللبنانية تصريحات إيرانية انتقدت القرار الحكومي الأخير. ويعتبر مراقبون أن خطاب الرئيس عون أمام لاريجاني يمثل تحولاً جوهرياً في السياسة اللبنانية، إذ رسم حدوداً واضحة للعلاقة مع إيران، مؤسساً لمرحلة جديدة عنوانها الحفاظ على السيادة الوطنية وقرار الدولة المستقل.
بهذا، بدت بيروت اليوم مسرحاً لرسائل متبادلة: إيران تؤكد تمسكها بدعم حلفائها، فيما الدولة اللبنانية ترفع سقف خطابها دفاعاً عن سيادتها، في مشهد يعكس بداية فصل جديد من العلاقات اللبنانية – الإيرانية، قد يرسم ملامح المرحلة المقبلة في الداخل اللبناني والمنطقة.
المحلل السياسي آلان سركيس يقول لموقع “هنا لبنان” زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت جاءت في إطار سياسي واضح، هدفه التأكيد أن إيران ما زالت حاضرة بقوة في المنطقة، وأن الحرب الأخيرة لم تؤثر على موقعها، بل أرادت أن توصل رسالة دعم مباشرة إلى حلفائها في لبنان.
من الناحية الشكلية وبحسب سركيس “كان لافتاً حجم الاستقبال المتواضع الذي حظي به لاريجاني، إذ لم يتجاوز الحضور المئة شخص أو مئة دراجة نارية. هذا المشهد يعكس تراجع قدرات حزب الله على الحشد، ويطرح علامات استفهام حول حجم حضوره الشعبي مقارنة بالماضي.”
ويتابع :”أما في السياسة فإن كلام الرئيس جوزاف عون أمام لاريجاني يمثل سابقة منذ اتفاق الطائف، إذ للمرة الأولى يوجه رئيس جمهورية رسالة بهذا الوضوح إلى مسؤول إيراني، واضعاً حداً بين مرحلة النفوذ الإيراني السابقة في لبنان والمرحلة الجديدة التي ترسمها الدولة اللبنانية. الرئيس عون قالها بوضوح: التدخل الإيراني في السياسة والسيادة اللبنانية ممنوع، ولبنان يطالب باحترام قراراته وتنفيذها”.
هذا الموقف، بحسب سركيس، يشكل بداية مرحلة جديدة في العلاقات اللبنانية – الإيرانية. لكن يبقى السؤال: ماذا أبلغ لاريجاني الوفود التي التقاها في السفارة الإيرانية؟ وكيف سترد طهران على موقف الرئيس والمسؤولين اللبنانيين الرافض لتدخلاتها؟ والأهم، ما هي التعليمات أو “أوامر العمليات” التي حملها لاريجاني إلى حزب الله ليبنى على أساسها موقف الحزب في المرحلة المقبلة”؟
وهنا يقول سركيس: “المؤكد أن الدولة اللبنانية، من خلال هذه الرسالة، وضعت حداً لتدخلات إيران، وهذا تطور بالغ الأهمية يمكن أن يؤسس لمسار مختلف في إدارة العلاقة بين بيروت وطهران”.
من جهته، يرى المحلل السياسي مروان الأمين أن “زيارة لاريجاني إلى بيروت جاءت في توقيت حساس جداً، بعد قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة ضمن مهلة زمنية واضحة. هذه الزيارة، لا يمكن فصلها عن كون إيران صاحبة الكلمة الفصل في ملف سلاح حزب الله، وبالتالي فهي رسالة مباشرة لتثبيت نفوذها، وإعطاء التعليمات الواضحة للحزب بشأن كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة في ضوء المستجدات”.
ويضيف: “الزيارة حملت هدفين أساسيين: أولاً، شدّ عصب جمهور حزب الله وتعزيز التماسك الداخلي عبر رسائل مباشرة من القيادة الإيرانية. ثانياً، إيصال موقف إلى الدولة اللبنانية حول مقاربة ملف السلاح، حيث سمعنا لاريجاني يتحدث عن الحوار ودعم الشعب اللبناني. لكن هذا الطرح فيه فخ سياسي، لأنه يفصل بين الشعب والحكومة، وهو أمر يتناقض مع الأعراف الدبلوماسية التي تقوم على التعامل بين الدول من خلال مؤسساتها الرسمية”.
ويتابع الأمين: “اللافت أن موقف عون كان حاسماً، إذ قال بوضوح إنه ممنوع على أي طرف خارجي التدخل في القرارات السيادية اللبنانية أو تهديد الاستقرار. هذا الموقف يعكس إرادة الحكومة ومعظم اللبنانيين بإنهاء حالة الفوضى وحصر السلاح بيد الدولة، لأنه لا قيام للدولة إلا بذلك”.
ويردف الأمين إن “المسؤولين الإيرانيين وللمرة الأولى، سمعوا لهجة رسمية لبنانية بهذا القدر من الحزم. كما أن القرار الحكومي الأخير وموقف الرئيس عون ساعدا في ترميم الثقة بين العهد والمواطنين، بعد أن كانت قد تراجعت نتيجة التراخي في هذا الملف منذ بداية العهد”.
ويضيف: “المقلق في كلام لاريجاني أنه لم يقل إن إيران تدعم الدولة أو الحكومة، بل قال إنها تدعم الشعب اللبناني، وألمح إلى إمكانية حل ملف السلاح بالتشاور بين الحكومة وحزب الله، واعتبر أن هذا السلاح هو رأس مال لبنان. هذا يعيدنا إلى مرحلة ما قبل القرار الحكومي، عندما كان هناك رهان على أن الحوار مع حزب الله قد يؤدي إلى حل، لكن سبعة أشهر من الحوار أثبتت العكس”.
وبحسب الأمين: “القرارات السيادية لا تُتخذ بالتشاور أو بالتراضي، بل بقرار حازم من الدولة يلتزم به الجميع، بما فيهم حزب الله. أي دخول في حوار حول هذه القرارات يعني التنازل عن جزء من السيادة والهيبة لصالح طرف مسلح، وهذا أمر مرفوض تماماً”.
ويختم حديثه بالقول: “نحن الآن أمام مرحلة جديدة في التعاطي بين السلطة السياسية اللبنانية والإيرانيين، والأنظار تتجه إلى كيفية رد حزب الله والمواقف التي ستصدر من طهران، لمعرفة سقفها وإلى أين ستتجه الأمور.”
زيارة علي لاريجاني إلى بيروت لم تكن مجرد محطة بروتوكولية في أجندة العلاقات اللبنانية – الإيرانية، بل شكلت اختباراً جدياً لمدى قدرة الدولة اللبنانية على فرض خطاب سيادي واضح في مواجهة النفوذ الخارجي. الموقف الحازم الذي أعلنه الرئيس جوزاف عون أمام أرفع مسؤول أمني إيراني منذ سنوات، أطلق إشارة سياسية بأن لبنان يدخل مرحلة جديدة عنوانها ترسيم حدود التدخلات الخارجية وصون القرار الوطني المستقل. وبينما تصر طهران على تأكيد حضورها ودعم حلفائها، تبدو بيروت اليوم عازمة على تثبيت معادلة جديدة: دولة واحدة، سلاح واحد، وسيادة لا تتجزأ، بانتظار ما ستكشفه الأسابيع المقبلة من ردود ومواقف على هذا التحول.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() على طاولة بعبدا… لبنان يختار الدولة لا الدويلة | ![]() ساعة الحسم: هل تنتصر الدولة أم يُكرَّس واقع “الحزب”؟ | ![]() انهيار قياسي: تراجع 50% في أسعار الشقق السكنية وركود في سوق الضاحية الجنوبية! |