تصنيف لبنان عند CCC: ماذا يعني للمستقبل المالي؟ ما الذي تغيّر وما الذي لا يزال قائماً؟

رفع تصنيف لبنان الائتماني بالعملة المحلية من CC إلى CCC يعكس درجة الثقة بقدرة الدولة على سداد التزاماتها المالية، لكنه في الوقت نفسه أداة تستخدمها المؤسسات الدولية والمستثمرون لقياس مستوى المخاطر، ولكن لا يمكن اعتبار هذا التطور بمثابة خروج كامل من الأزمة، لكنه يمثل خطوة صغيرة ومهمة نحو الاستقرار
كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:
بعدما رَفعت وكالة “إس آند بي” تصنيف لبنان الائتماني بالعملة المحلية من CC إلى CCC مع نظرة مستقبلية مستقرة. قد يبدو هذا الخبر إيجابياً للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة يعكس تحسناً محدوداً جداً، لأنّ لبنان ما زال يصنَّف في واحدة من أدنى الدرجات عالمياً. هذا الرفع جاء بعد التطورات السياسية الأخيرة، مثل انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة، وهي خطوات رأت فيها الوكالة بارقة استقرار سياسي قد تساعد على إطلاق الإصلاحات المطلوبة وربما فتح الباب أمام التعاون مع صندوق النقد الدولي.
ورغم أنّ التعديل يبقى محدوداً جداً، إلا أنه يشير فقط إلى تبدّل بسيط في نظرة المؤسسات الدولية تجاه لبنان. فالأزمة ما زالت قائمة بكل ثقلها، والاقتصاد لم يلتقط أنفاسه بعد. كل ما يعنيه التصنيف الجديد هو أنّ لبنان لم يعد في أدنى المراتب، لكنه ما زال بعيداً جداً عن أي مستوى يمكن اعتباره آمناً أو مستقراً.
غير أنّ السؤال الجوهري يبقى: ماذا يعني فعلياً هذا التصنيف الجديد؟ وما هو الفرق بين مرتبة CCC وغيرها من الدرجات الائتمانية الأعلى؟ وهل يمكن أن يشكّل هذا التطور بداية مسار صعودي أم أنه مجرد توقف قصير قبل عودة الانحدار؟
ببساطة، التصنيف يعكس درجة الثقة بقدرة الدولة على سداد التزاماتها المالية، لكنه في الوقت نفسه أداة تستخدمها المؤسسات الدولية والمستثمرون لقياس مستوى المخاطر. فوكالة “إس آند بي”، على غرار وكالتي “موديز” و”فيتش”، تدرس الوضع الاقتصادي والمالي والسياسي للدولة، وتقارن بين إيراداتها ونفقاتها، وبين حجم ديونها وقدرتها على السداد في المدى القريب والبعيد. ثم تُصدر حكماً رقمياً أو حرفياً يترجم هذه الصورة إلى درجة يمكن للمستثمرين والمصارف وصناديق الاستثمار قراءتها بسهولة.
وبالتالي، عندما يُقال إنّ دولة ما مصنّفة عند مستوى A مثلاً، فهذا يعطي إشارة قوية بأنها قادرة على الوفاء بديونها من دون صعوبة، ما يشجّع على إقراضها أو الاستثمار فيها. أما حين ينخفض التصنيف إلى مستويات مثل CCC، فهذا يعني أنّ المخاطر عالية جداً، وأنّ أي استثمار أو قرض لتلك الدولة يُعتبر مغامرة كبيرة تحتاج إلى فوائد مرتفعة لتعويض هذه المخاطر.
بالنظر إلى رفع تصنيف لبنان إلى CCC، لا يمكن اعتبار هذا التطور بمثابة خروج كامل من الأزمة، لكنه يمثل خطوة صغيرة ومهمة نحو الاستقرار. إذ يشير إلى أنّ المؤسسات المالية بدأت تلمّح إلى إمكانية حدوث تحسّن إذا تزامن مع إصلاحات جدية ودعم خارجي.
ومع ذلك، يبقى الطريق محفوفاً بالمخاطر، فكل خطوة إلى الأمام قد تتراجع سريعاً إذا لم تُنفّذ الإصلاحات أو إذا استمرّت التوترات السياسية والمالية. بمعنى آخر، هذا التصنيف قد يكون بداية لمسار صعودي حقيقي إذا توفرت العوامل المناسبة، لكنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون مجرد توقف قصير قبل عودة الانحدار، ما يجعل المستقبل المالي للبنان هشاً ومتقلباً.
في المحصلة، لبنان ما زال يعيش تداعيات تعثره المالي منذ عام 2020، بعدما توقف عن سداد ديونه بالعملات الأجنبية. هذا التعثر لا يمكن معالجته إلا عبر إعادة التفاوض مع حملة السندات والبدء بعملية إعادة هيكلة شاملة للدين، وهي خطوة أساسية إذا أراد لبنان أن يستعيد مكانته في الأسواق المالية العالمية. وحتى ذلك الحين، سيبقى التصنيف الائتماني في دائرة الضعف والهشاشة، لأن أي تصحيح فعلي يتطلب أكثر من إصلاحات اقتصادية. فالأنظار اليوم تتجه إلى إصلاحات عميقة على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية معاً، باعتبارها المدخل الوحيد لأيّ مسار جدي نحو الاستقرار.