ملفّ السجناء السوريين يرسم مستقبل علاقات بيروت ودمشق

تكمن مصلحة البلدين في تجاوز الحساسيات السياسية، ويشكّل نقل السجناء نموذجاً عملياً لتعاون أوسع يفتح الباب أمام مقاربة مشتركة لملف النازحين، شرط ألّا يصطدم برفض داخلي لبناني أو بعقبات قانونية تبقى الملف عالقاً، وتزيد الضغط على السجون وربما تعمّق أزمة الثقة بين البلدين
كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:
يفترض أن ترسم زيارة وزير العدل السوري مظهر عبد الرحمن الويس إلى لبنان، مساراً جديداً للعلاقات بين البلدين، وتؤسس لحلّ نهائي لملف السجناء السوريين في لبنان، خصوصاً وأنّ هؤلاء السجناء باتوا يشكلون عبئاً اقتصادياً واجتماعياً وطبياً وحتى أمنياً، يتجاوز قدرة بيروت على تحمّله. وتكتسب الزيارة أهمية سياسية أيضاً إذ أن الوفد السوري يضمّ أيضاً وزير الخارجية أسعد الشيباني للبحث بترتيبات تعني أمن وسيادة البلدين معاً.
يفوق عدد السجناء والموقوفين السوريين في لبنان الـ 2000 نزيل أغلبهم يقبع في سجن روميه المركزي، والقسم الأكبر منهم غير محكوم وما زال يخضع للمحاكمات، بينهم حوالي 700 شخص متهمون بجرائم إرهاب، جراء قتالهم في صفوف تنظيمات كانت تحارب قوات بشّار الأسد، ومن هنا تولي دمشق الأهمية للزيارة باعتبار أن هؤلاء كانوا رفاق الإدارة السورية الجديد في حربها ضد الأسد ونظامه وحلفائه. أما الباقون فيلاحقون بجرائم مختلفة مثل السرقة وتجارة المخدرات والاحتيال والتزوير وغيرها، وهذه الأعداد فاقمت أزمة السجون اللبنانية التي تعاني أساساً من ضعف البنية التحتية وقلة الموارد، كما أنه يمثّل تحدياً كبيراً للدولة وإدارة السجون لجهة تأمين الغذاء والطبابة والحراسة، وتراكم عدد الدعاوى في المحاكم والدوائر القضائية.
تتقاطع المصالح المشتركة للبنان وسوريا في حلّ الملفات العالقة، وأولها ملفّ السجناء السوريين، واستبق مصدر قضائي وصول وزير العدل السوري إلى بيروت بالتأكيد على أنّ “حل أزمة السجناء السوريين تمثّل مصلحة لبنانية قبل أن تكون تلبية لرغبة الجانب السوري”، مشيراً في تصريح لـ “هنا لبنان”، أنّ وزارة العدل اللبنانية والسلطات القضائية والأمنية “ستتعاون مع الدولة السورية إلى أبعد الحدود لحلّ أزمة السجناء السوريين، لكن بما يتوافق مع القوانين اللبنانية المرعية الإجراء”، مشدداً على أن “ترحيل مئات السجناء السوريين يخفف من أزمة الاكتظاظ ويقلّص الضغط على السجون، ويؤدي حتماً إلى خفض الكلفة المالية المخصصة للسجون، ويحدّ من المخاطر الأمنية، ويقلل من حالات التمرد والفوضى التي تحصل داخل السجون بين وقت وآخر”. غير أن المصدر القضائي ذكّر بأن “عملية نقل السجناء السوريين لا تحصل عشوائياً، بل تخضع لمعايير قانونية يجب احترامها، وقد يحتاج الأمر إلى توقيع اتفاقية قضائية جديدة بين البلدين تلحظ مسألة تبادل المحكومين والموقوفين وفق شروط وقيود محددة”، متوقعاً أن تنجح هذه الزيارة بـ “فكفكة الكثير من العقد، خصوصاً وأن لبنان تلقى إشارات سورية مشجّعة تؤكد احتراها السيادة اللبنانية والقوانين المرعية الاجراء”.
كلّ المعطيات تشير إلى أن عملية تسليم السجناء ستشكّل أساساً متيناً لإعادة بناء جسور الثقة بين الحكومتين، فلبنان يحتاج إلى تعاون دمشق في ملفات متعددة، أهمها تنظيم عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، مروراً بالتبادل التجاري وترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين ورفع مستوى التعاون الأمني على الحدود الشرقية والشمالية. كما أن دمشق ترى في استعادة مواطنيها خطوة سيادية تمنحها ورقة قوة للتفاوض مع المجتمع الدولي حول قضية النازحين وإعادة إعمار سوريا.
صحيح أن فوائد التعاون بين بيروت ودمشق أكبر بكثير من سلبياتها، إلّا أن النوايا غير كافية، فثمّة معضلة كبيرة تكمن في الحسابات السياسية الداخلية، إذ أن جزءاً من الطبقة السياسية اللبنانية ما زالت قلقة من أي تنسيق رسمي مع الدولة السورية الجديدة، لا سيما “حزب الله” وحلفائه، كي لا يعدّ ذلك اعترافاً بالحكومة السورية التي أطاحت بنظام حليفه بشار الأسد، مقابل قوى لبنانية وازنة ترى أن لا مفر من التعاون مع سوريا باعتبارها الجار الأقرب والشريك الطبيعي في معالجة ملفات شائكة، من هنا، تبدو المعادلة معقدة، رغم أن لبنان بحاجة إلى الحل وسوريا مستعدة للتعاون، لكن القرار اللبناني يصطدم بالتوازنات الداخلية والحسابات الإقليمية.
تكمن مصلحة البلدين في تجاوز الحساسيات السياسية، ويشكّل نقل السجناء نموذجاً عملياً لتعاون أوسع يفتح الباب أمام مقاربة مشتركة لملف النازحين، شرط ألّا يصطدم برفض داخلي لبناني أو بعقبات قانونية تبقى الملف عالقاً، وتزيد الضغط على السجون وربما تعمّق أزمة الثقة بين البلدين.
أمام كلّ هذه السيناريوهات، تشكل زيارة وزير العدل السوري إلى لبنان فرصة حقيقية لمعالجة ملف السجناء السوريين بما يحقق مصلحة مشتركة، إذ يفترض أن تقترن بتعاون سوري بملفات ترسم الحدود وضبطها وإعادة النازحين وتزويد لبنان بما تملكه من معلومات عن مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، كما أن النجاح يتوقف على مدى استعداد السلطة اللبنانية للتلاقي مع دمشق في منتصف الطريق، فإذا غلّب الطرفان لغة الحوار والتلاقي على الانقسام السياسي، فإن الخطوة ستنعكس إيجاباً على الأمن الداخلي والعلاقات الثنائية، وقد تفتح نافذة نحو حلول أوسع للملفات العالقة بين البلدين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() التشكيلات تبشّر بمرحلة قضائية واعدة | ![]() ترشيحات “الدستوري”: بين التنافس الشريف واسترضاء الزعيم | ![]() البيطار يؤجل جلسة زعيتر ويستدعي عويدات إلى التحقيق |