أزمة التعليم الرّسمي في لبنان: تقليص أيّام التدريس وتوسّع الفجوة مع الخاص


خاص 2 أيلول, 2025

سيبدأ العام الدّراسي الجديد في المدارس والثّانويات الرّسميّة، ملبّدًا بالغيوم كما جرت العادة. وبين صراخ الأساتذة وأنين الأهالي وعجز الدّولة وتقاذف المسؤوليّات، “العترة” على التلاميذ، الّذين يجهلون مصير سنتهم الدّراسيّة. فهل تقليص أيّام التدريس هو خطوة إلى الوراء أم حلّ مؤقّت؟ وهل هناك خطّة مبرمجة لتدمير التعليم الرّسمي في لبنان؟

كتب إيلي صروف لـ”هنا لبنان”:

حَطّ موسم “Back to school” رحاله رسميًّا في لبنان، مترافقًا مع ارتفاعٍ موجعٍ لا بل جنونيّ بالأقساط في المدارس الخاصّة، عجزٍ عن تلبية مطالب أساتذة التعليم الرّسمي وتوفير الاعتمادات اللّازمة، نزوحٍ طلّابيٍّ في كلا الاتجاهين، والأسوأ اتساع الهوّة بين التعليم الرّسمي والخاص. هذا كلّه يستوجُب دقّ ناقوس الخطر حول مستوى التعليم ومستقبله.

بعد جائحة “كورونا”، وبالتزامن مع الأزمة الاقتصاديّة الطّاحنة الّتي عصفت بلبنان، خُفِّض عدد أيّام التدريس في المدارس والثّانويّات الرّسميّة من خمسةٍ إلى أربعة أسبوعيًّا، لأسبابٍ ماليّةٍ تتعلّق بعدم القدرة على مضاعَفة بدل الإنتاجيّة، ولا على دفع بدلات النّقل وغيرها للأساتذة عن خمسة أيّام تعليم.

السّيناريو نفسه سيتكرّر بالنّسبة للعام الدّراسي 2025-2026، في ظلّ شبه دولةٍ عاجزة، أموالها مهدورة أو منهوبة، ولا تتحرّك جدّيًّا لتأمين مداخيل كافية لتغطية التعليم الرّسمي ودفع حقوق الأساتذة في القطاع العام وزيادة رواتبهم. فلو اتَّخذت هذه الدّولة قرارات جريئة وحاسمة، مثل إعادة درس الرّسوم على الأملاك البحريّة، وتحصيل تعويضات المقالع والكسّارات غير المحصَّلة، لكانت أمّنت ملايين الدّولارات الكفيلة بالنّهوض بالتعليم الرّسمي الّذي يُنازع!

فقد أعلنت وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي في 19 آب الحالي، الاستمرار في اعتماد أربعة أيّام تدريس أسبوعيًّا في التعليم الرّسمي. وأوضحت عقب زيارتها رئيس الجمهوريّة جوزاف عون في اليوم التالي، أنّ “هذا التدبير هو استمرار للإجراء المعتمَد خلال السّنتَين الأخيرتَين، حيث كان توافقٌ بين الوزارة والرّوابط التعليميّة على ضغط ساعات العمل، وهو أمرٌ متعلّق بالكلفة التشغيليّة للوزارة والمدارس وبرواتب الأساتذة، لإفساح المجال أمامهم لتأمين دخلٍ إضافيٍّ، فضلًا عن تخفيف المصاريف على الأهالي”.

كرامي الّتي نعت المحاولات الحثيثة للعودة إلى الدّوام الكامل، شرحت أنّ “العام الدّراسي يبدأ في خضمّ السّنة الماليّة، أي لا نزال نعمل وفق موازنة العام السّابق الّتي تغطّي أربعة أيّامٍ في الأسبوع، وقد حاولنا زيادة عدد الأيّام ولكنّنا لم نستطع”، منوّهةً إلى أنّه “تمّ رفع الحصّة التعليميّة إلى 50 دقيقة، وبالتالي سيتمّ تمديد موعد مغادرة المدارس الرّسميّة يوميًّا لنحو نصف ساعة”.

أضرارٌ ثلاثيّة الأبعاد

هذا القرار جوبه بعدّة اعتراضات، أبرزها من قِبل مُقرّر لجنة التربية الوطنيّة والتعليم العالي والثّقافة النّيابيّة وعضو تكتل “لبنان القوي” النّائب إدكار طرابلسي، الّذي يعتبر في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “القرار يضرّ بالأسرة التربويّة من أساتذة وتلاميذ وأهالي، فهو لا يُنصف أساتذة الملاك والمتعاقدين، إذ كان يُتوقّع أن يتمّ الضّغط على الحكومة ووزارة الماليّة تحديدًا لتأمين الأموال اللّازمة لدفع مستحقّاتهم”.

ويشدّد على أنّ “المطلوب كان إعادة جدولة ساعات العمل لتغطية خمسة أيّام تعليمٍ وليس تقليصها. وزيادة النّصف ساعة يوميًّا على الدّوام لا تحلّ المشكلة، إذ يبقى يومٌ خامسٌ يشمل خمس حصصٍ مفقودًا، ويزداد معه الفاقد التعليمي”.

أمّا بالنّسبة إلى التلاميذ، فيلفت طرابلسي إلى أنّ “هذا التدبير سيوسّع للأسف الفجوة التعليميّة ما بين القطاعَين، إذ سيؤدّي إلى تقليص المنهاج المعتمَد في المدارس العامّة، ما سيؤثّر بالتالي على الامتحانات الرّسميّة ومستواها”، مفسّرًا أنّ “أساتذة التعليم الرّسمي الّذين يضعون أسئلة الامتحانات الرّسميّة، سيحدّدونها وفقًا للمنهاج الّذي تمكّنوا من شرحه، وهو أقلّ من المنهاج المقلَّص أساسًا؛ فتصبح نسب النّجاح في امتحانات الشّهادة العامّة مرتفعة جدًّا. وهذا ما لمسناه في دورة الامتحانات الأخيرة، إذ لامست نسبة النّجاح الـ95 بالمئة”.

ويشير إلى أنّ “الأهل ولا سيّما العاملين منهم، سيواجهون عبئًا إضافيًّا لإيجاد أو تأمين من يرعى أطفالهم في اليوم الخامس الّذي لا يرتادون فيه المدرسة”، مؤكّدًا أنّ “المطلوب الرّجوع عن هذا القرار، تأمين الأموال اللّازمة للأساتذة الّذين لا يجوز أن يعملوا بالسّخرة، وإعادة جدولة الحصص أو دوامات الأساتذة لتغطية خمسة أيّام تدريس؛ إذ يجب تعويض الفاقد التعليمي وليس مفاقمة النّقص الحاصل”.

معارضةً وإقصاء

فصلٌ جديدٌ من مسلسل الظّلم اللّاحق بأساتذة التعليم الرّسمي، وتحديدًا المتعاقدين منهم، بدأ يُكتب مع صدور قرار كرامي. وفي هذا السّياق، تشدّد رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرّسمي الدكتورة نسرين شاهين، في حديث لـ”هنا لبنان”، على “أنّنا نعارض هذا القرار ونعتبره غير تربوي. فإذا كان الأساتذة يطالبون بحقوقهم، على المعنيّين العمل لتأمين هذه الحقوق، وليس المسّ بحقّ التلاميذ في التعليم”.

وتبيّن أنّه “بعد الأزمة الاقتصاديّة، عادت مختلف القطاعات إلى العمل وفق الدّوام الطّبيعي، فكيف يمكن أن نبني دولةً ونسير في الطّريق الصّحيح، في حين أنّهم يقرّرون في المقابل أن يقتطعوا من أيّام التدريس لأبناء المدرسة الرّسميّة فقط؟”.

وتشرح شاهين أنّ “التلميذ في المدرسة الخاصّة يتعلّم خمسة أيّامٍ بمعدّل ثلاثين حصّةً في الأسبوع، بينما التلميذ الرّسمي يتلقّى 28 حصّةً خلال أربعة أيّامٍ أسبوعيًّا، أي يتمّ ممارسة ضغط إضافي على الأخير، في ظلّ مناهج قديمة وطُرق تدريس تقليديّة؛ وكلّ ذلك تحت مبرّر عدم القدرة على الدّفع للأساتذة لقاء 5 أيّام تدريس”. وترى أنّ “كلّ ما يحصل يوسّع الهوّة بين التعليم الخاص والرّسمي لصالح الأوّل، ويثبت أنّ المعنيّين لا يعيرون اهتمامًا للتعليم العام”.

الرّابطة الّتي تمثّل الشّريحة الأكبر من الأساتذة المتعاقدين، والّتي كانت لها صولات وجولات مع وزير التربية السّابق عباس الحلبي، تواجه إقصاءً اليوم من قبل كرامي بحسب رئيسة الرّابطة، الّتي توضح أنّ “الوزيرة تستقبل روابط السّلطة الّتي تمثّل أقلّ من 20 بالمئة من الكادر التعليمي، لكنّها تقصينا وتقمعنا ولا تستقبلنا، رغم أنّنا طلبنا موعدًا للقائها ومنقاشة القرار التربوي قبل صدوره؛ لا سيّما أنّ الأمر يمسّ حقوقنا بالدّرجة الأولى”.

في 15 أيلول المقبل، يبدأ العام الدّراسي الجديد في المدارس والثّانويات الرّسميّة، ملبّدًا بالغيوم كما جرت العادة. وبين صراخ الأساتذة وأنين الأهالي وعجز الدّولة وتقاذف المسؤوليّات، “العترة” على التلاميذ، الّذين يجهلون مصير سنتهم الدّراسيّة. فهل تقليص أيّام التدريس هو خطوة إلى الوراء أم حلّ مؤقّت؟ وهل هناك خطّة مبرمجة لتدمير التعليم الرّسمي في لبنان؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us