لبنان واليونيفيل وعودة السيادة والسلام

ترجمة هنا لبنان 2 أيلول, 2025

كتب David Hale لـ“This Is Beirut”:

في وقت سابق من هذا الصيف، توفّرت أمام الولايات المتحدة فرصة حقيقية لاستخدام حق النقض (الفيتو) لمنع تجديد تفويض اليونيفيل في شهر آب. ولكن في النهاية، ترسّخ مسار أكثر حكمة وقرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، تمديد ولاية اليونيفيل “للمرة الأخيرة” حتى نهاية عام 2026… خطوة تعتبر إيجابية لجميع الأطراف المعنية، باستثناء حزب الله وراعيته الخارجية، إيران.

وبغضّ النظر عن لبنان وإسرائيل، يُعدّ هذا القرار تطورًا مشجعًا لأولئك الذين ينتقدون عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ويرون أنّها مكلفة وتستمرّ لفترات طويلة بغضّ النظر عن حلّها للأزمات التي أنشئت بسببها أو عن مساهمة الجنود أم لا في حل النزاعات. ومع ذلك، هذه الانتقادات ليست صحيحة بالكامل؛ فقد أُنهِيت سبع عمليات حفظ سلام في أفريقيا، وثلاثة منها في أميركا اللاتينية، واثنتان في شرق آسيا على مرّ السنين، بينما لا تزال 15 مهمة قائمة. وبالإضافة إلى اليونيفيل، هناك ثلاث بعثات أخرى في الشرق الأوسط: “مينورسو” (MINURSO) في الصحراء الغربية، وUNDOF على هضبة الجولان، وUNTSO على طول خطوط هدنة 1949 المحيطة بإسرائيل، وهي بدورها عرضة لانتقادات تتهمها بعدم تحقيق أي تقدّم لعقود طويلة.

القرار الخاص باليونيفيل يعدّ مشجعًا كذلك لأنّه يتماشى مع الجدول الزمني الذي وضعته الحكومة اللبنانية لنشر جنود لبنانيين مدربين ومجهّزين في منطقة انتشار القوات الدولية هذا العام وتفكيك سلاح حزب الله. كما يسمح لليونيفيل بمواصلة عملها بالتوازي مع وضع الحكومة خطتها قيد التنفيذ مع الانسحاب المُرتقب للقوات الأممية بعد كانون الأول 2026. هذه الخطّة تبدو منطقيةً ومنظمةً، لكنّ هدفها حازم: بحلول نهاية 2026، سيكون الجيش اللبناني وليس اليونيفيل، المسؤول الوحيد عن حماية الأراضي اللبنانية السيادية.

هذه الخطوة تؤكّد على الثقة الدولية بأنّ لبنان يسير في الاتجاه الصحيح، وبأن الجيش اللبناني قادر على إتمام المهام الموكلة إليه. وهذا ما يدركه الشعب والحكومة في لبنان، وكذلك المسؤولون الأميركيون الذين عملوا لسنوات طويلة لدعم الجنود والضباط اللبنانيين في تحقيق أهدافهم. وفي هذا السياق، ستبقى الشراكة الأميركية – اللبنانية في دعم الجيش اللبناني أمرًا ضروريًا طوال هذه الفترة ثمّ ما بعد 2026.

ولا يعني هذا القرار تخلّي الأمم المتحدة عن لبنان. فقرار التمديد يفرض على الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير بحلول حزيران 2026 حول السّبل الممكنة لتنفيذ القرار 1701 وضمان مراقبة وتأمين “الخط الأزرق” ودعم انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني. كما ستضطلع الأمم المتحدة بدور قوي وضروري على المستوى السياسي في تعزيز السلام والأمن في الجنوب.

أمّا الخاسر الوحيد في هذه الحالة فليس سوى إيران وحزب الله. فهما لا يرحبان بأي من هذه الخطوات كما لا يريدان استعادة السيادة اللبنانية. وهدفهما يقتصر على تقويض الثقة الدولية بالتقدم الذي تحرزه الحكومة اللبنانية وأجهزة الأمن، لا تعزيزها. أضف إلى ذلك أنّهما لا يريدان فقدان الحماية والغطاء الذي وفّرته اليونيفيل، ولو بغير قصد في الكثير من الأحيان، لمقاتلي حزب الله، وصواريخه ومستودعات أسلحته.

لا شك أنّ البعض يخشى التغيير، مثل انسحاب اليونيفيل، وقد يرون أنّ هذه الخطوة تخفي، بغير حق، أجندة خفية لتجدّد العدوان. ومع ذلك، لم تتمكّن اليونيفيل للأسف وعلى الإطلاق من منع الصراعات عبر الحدود لأنها لم تُمنح الصلاحية لذلك. ففي عام 2006، تأخّر إنهاء الحرب لأيام بينما كان مجلس الأمن الدولي يُناقش احتمال منح اليونيفيل صلاحيات فعلية لاستخدام القوة ضدّ منتهكي شروط وقف النار. وطالبت الولايات المتحدة بمنح أقوى تفويض ممكن، باستخدام القوة إن لزم الأمر، بينما رفض أعضاء آخرون، بقيادة فرنسا، خوفًا من صدامٍ محتملٍ مع حزب الله. وبعد عشرين عامًا، ستدقّ ساعة تقاعد اليونيفيل، وحينها ستتكفّل أدوات الدولة اللبنانية الشرعية وحدها بحماية شعبها، والحفاظ على اتفاقيات وقف النار وغيرها من الاتفاقات اللازمة لضمان السلام على الحدود مع إسرائيل.

وتمنح الجداول الزمنية التي حدّدتها الحكومة اللبنانية ومجلس الأمن الجميع الوقت الكافي للتفكير في الخطوات اللّاحقة في حال تم تنفيذ ترتيبات وقف النار الحالية. وفي لبنان، سُمعت آراء مختلفة في حزيران الماضي، حين اعتبر البعض أن وقف إطلاق النار كافٍ وحده، بينما فضّل البعض الآخر القرار 1701، واعتبر آخرون أنّ اتفاقية الهدنة لعام 1949 هي الحلّ الكافي.

ولا بدّ من الترحيب بكلّ الخطوات التي لا تقتصر على مجرّد وقف إطلاق النار وتشجيعها. لكن تاريخ النزاع في هذه المنطقة يوضح أنّ الهدنة والقرار 1701 لم يمنعا النزاعات المستقبلية على الرغم من أهميتهما. وفي نهاية المطاف، إذا أراد اللبنانيون والإسرائيليون فرض وسيلة أكثر استقرارًا وديمومةً لمنع الحروب المستقبلية، سيحتاج الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك. وتُعدّ المعاهدات السلمية التي أبرمتها مصر والأردن طواعيةً مع إسرائيل نماذج لمثل هذه الخيارات؛ فعلى الرغم من الضغوط الهائلة داخل تلك الدول والتطوّرات المحيطة، أثبتت المعاهدات قدرتها على الصمود أمام اختبار الزمن.

لدى اللبنانيين العام المقبل بأكمله للتفكير في طريقة تمنع لبنان من أن يصبح من جديد رهينة لقوى خارجية تستخدم وكلاء لبنانيين في خدمة أجنداتها الخاصة. ولعلّ اتفاق السلام الطريقة الأمثل لتعزيز استعادة المؤسّسات السيادية على المستوى الداخلي والخارجي أيضًا. ومن مزايا السيادة، الحرية في اختيار السلام، ويترافق مثل هذا الخيار، مع دعم دولي هائل يؤكّد على حكمة هذا القرار.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us