بوالص التأمين في لبنان ترتفع 10 إلى 20%.. والعبء المالي يُثقل كاهل المواطن

تغيرت نظرة اللبنانيين للتأمين، حيث أصبح كثيرون منهم يعتبرونه رفاهية بات من الصعب تحمل تكلفتها، بعدما كان ضرورة لا غنى عنها خصوصاً بعد عودة الأسعار للارتفاع، إذ وجدوا أنفسهم أمام عبء مالي جديد يزيد من أعبائهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة لا تحتمل المزيد من الضغوط
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في لبنان، تشهد أسعار بوالص التأمين الصحية وتأمين السيارات زيادةً سنويةً تتراوح ما بين 10% و20%، بعد أن خفّضت شركات التأمين أسعارها بشكل ملحوظ خلال فترة الأزمة الاقتصادية والثورة التي عصفت بالبلاد عام 2019. ومع عودة الأسعار للارتفاع، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام عبءٍ ماليّ جديدٍ يزيد من أعبائهم في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة لا تحتمل المزيد من الضغوط.
وسط هذه الزيادات المتكرّرة، تصف شركات التأمين الخطوة بأنّها “اضطرارية”، لكن المواطن العادي يراها عبئًا يهدد بقائه الاقتصادي ويزيد من معاناته اليومية.
التأمين بين ضرورة الحياة وعبء الرفاهية
على الأرض، تغيّرت نظرة اللبنانيين للتأمين، حيث أصبح الكثير منهم يعتبره رفاهية بات من الصعب تحمل تكلفتها، بعدما كان ضرورةً لا غنى عنها.
رنا، موظفة في شركة خاصة، تقول لـ”هنا لبنان”:”ارتفع سعر بوليصة التأمين الصحي بنسبة 20% عن العام الماضي، وهذا عبء مالي كبير علينا. في ظل ارتفاع أسعار الكهرباء والمازوت والتعليم، كيف يمكن لنا أن نتحمّل هذه الزيادات أيضًا؟”.
أمّا خالد، سائق أجرة، فيعبّر عن صعوبة الأمر قائلًا: كنت أتوقع أن الأسعار “قد تنخفض، لكن الواقع عكس ذلك. لم أعد قادرًا على تأمين سيارتي كما يجب، وكأننا نؤمّن على الخسارة فقط”.
شركات التأمين تبرّر: ارتفاع التكاليف واضطرار للزيادة
من جانبها، تبرّر شركات التأمين هذه الزيادات بظروف موضوعية وصعبة. أحد مديري شركات التأمين، مفضّلًا عدم الكشف عن اسمه، أوضح: “تكاليف الاستشفاء ارتفعت بشكل كبير، كما أنّ أسعار قطع غيار السيارات تُحسب بالدولار، ممّا رفع تكلفة الإصلاحات بشكل ملحوظ”.
وأضاف: “نحاول تخفيف العبء على المواطنين عبر تقسيط المبالغ، لكنّنا شركات خاصة ولسنا صندوق ضمان اجتماعي، ولا يمكننا الاستمرار في تغطية الخسائر إلى ما لا نهاية”.
غياب الرقابة الرسمية يُفاقم الأزمة
وفي ظلّ هذه الزيادات، يحمّل المواطنون الدولة مسؤولية غياب الرقابة والتنظيم الفعّال. ويقول سمير، متقاعد في السبعين: “لا أحد يهتم بمعاناتنا، وكلّ شركة تضع الأسعار التي تريدها. أين وزارة الاقتصاد؟ وأين أجهزة الرقابة؟ نحن بلا حماية طبية أو قانونية”.
نقيب شركات التأمين: التحديات الاقتصادية تفرض تعديل الأسعار
بدوره، يؤكد نقيب شركات التأمين، أسعد ميرزا، أنّ القطاع يواجه تحدّيات جسيمة تستدعي رفع الأسعار، خصوصًا في مجال التأمين الصحي وتأمين السيارات.
ويقول ميرزا: “الزيادات باتت حتميةً نتيجة الظروف الراهنة، خاصة مع ارتفاع معدّلات الإصابة بالأمراض، وعلى رأسها السرطان الذي زادت حالاته بنسبة 80% منذ 2011، ممّا يشكل عبئًا كبيرًا على شركات التأمين”.
ويضيف: “شركات التأمين ليست مؤسسات خيرية، بل شركات مالية تسعى لتحقيق أرباح. اليوم لا توجد أرباح على المستوى الفني، وإذا لم نستثمر خارجيًا فلن نحقق أي أرباح”.
وفيما يخص تأمين السيارات، يُشير ميرزا إلى تزايد حوادث السير بشكل ملحوظ: “في آب الماضي فقط، سجّلنا 53 حالة وفاة بسبب الحوادث، بالإضافة إلى إصابات قد تؤدّي للوفاة لاحقًا. الحوادث المادية زادت بنسبة 20 إلى 30% مقارنة بالعام الماضي، في ظلّ ضعف البنية التحتية وغياب إشارات السير”.
ويؤكّد أنّ الزيادات على بوالص السيارات قد تصل إلى 15-20%، مضيفًا: “لا نستطيع تحمل المزيد من الخسائر، ونحاول تفهّم وضع المواطن من خلال تسهيل الدفع بالتقسيط، لكننا لسنا بديلًا عن الدولة”.
ويختم ميرزا: “نحن نبذل قصارى جهدنا، ونأمل في تعاونٍ أكبر مع الوزارات، خصوصًا بعد تحديث آلية عمل الضمان الاجتماعي. لكنّ واقع القطاع هشّ، ونحن على الحافّة، ولا يمكن الاستمرار في تحمّل الخسائر إلى ما لا نهاية”.