بالوثائق والحقائق…”هنا لبنان” يكشف الحقيقة المُغَيّبة عن لبنانيّة “حوش السيّد علي”!


خاص 5 أيلول, 2025

هذا الشعب بحاجة إلى دولةٍ تحميه، لا تتركه وحيدًا في مواجهة المخاطر، أي دولة تُعيد له كرامته وتعترف بتضحياته، فبعلبك والهرمل جزء لا يتجزّأ من لبنان، وحين تستيقظ الدولة على هذا الواقع، تكون قد خطت أولى خطوات الانتصار الحقيقي لوطن بأكمله

كتبت كارين القسيس لـ”هنا لبنان”:

أهالي البقاع يُعانون بصمتٍ مرير، ويُرمَون في مهبّ الغياب الرسمي، وكأنّ وجودهم لا يعدو كونه ورقةً مُلقاةً على خريطةٍ مُهمَلة. اليوم، لم يعد الأمر مرتبطًا بالانتماءات الحزبيّة لهؤلاء الأهالي، سواء إلى “حزب الله” أو “حركة أمل”، بل أصبح تهميشًا واضحًا من الدولة تجاه مواطنيها في بعلبك – الهرمل، الذين يُتركون وحيدين في مواجهة اعتداءات خارجيّة صريحة تطال أراضيهم السياديّة.

يرفع علي خضر الحاج حسن، رئيس بلديّة الشواغير، صوته من قلب المعاناة، ناقلًا صرخات النازحين وآلام ذوي الشهداء، في محاولةٍ لتسليط الضوء على مأساة أهالي “حوش السيّد علي”، التي طالتها الاعتداءات مؤخّرًا. إنّها محطة مفصليّة تختبر دور الدولة اللبنانيّة، التي يُنظر إليها اليوم وكأنّها غائبة عن مشهدٍ تُنتهك فيه السيادة، فيما تُقابَل تضحيات المواطنين في هذه البلدة بصمت رسمي، وغياب واضح للاعتراف بحقوقهم المشروعة.

في سردٍ موجع ينضح بالألم، تتجلّى هنا حقيقة مريرة، “سيادة بلا حماية، وطنٌ بلا عدل، وشعبٌ يُركن إلى هامش النسيان”، وحيدًا في مواجهة رياح العواصف التي تعصف به من كل جانب. وفي حديث خاص مع “هنا لبنان”، يُحذّر الحاج حسن من الواقع المرير الذي يعيشه المواطن البقاعي، المتروك لمواجهة قدره بلا حماية رسميّة، على الرغم من الاعتداء الخارجي الصارخ على بلدة حوش السيّد علي، التي تعتبر أراضٍ لبنانية سياديّة.

ويُوضح أنّ هذه البلدة ليست حديثة العهد، بل تمتدّ جذورها لما قبل الاستقلال، وتضم مدرسة رسميّة وثكنة عسكريّة أُنشئت عام 1976، ممّا يُؤكد انتماءها الوطني العميق، ومع ذلك، انهارت كلّ التوازنات الأخوية والجوار الودّي مع القرى السورية المجاورة في 11 آذار 2025، عندما اجتاحت قوّة عسكريّة سوريّة قوامها ثلاثة آلاف جندي الأراضي اللبنانية بحجّة أنّها “أراضٍ سوريّة الأصل”.

ويُضيف أنّ الهجوم المباغت، الذي لم يسبقه أي استفزاز، ترك الأهالي في مواجهة وحيدة ضدّ الغزو، فهبّوا للدفاع عن أرضهم من دون أي دعم رسمي، وعلى الرغم من المقاومة البطوليّة التي حالت دون سقوط المدنيين، استشهد ستّة من أبناء البلدة، بينما نزحت أكثر من 250 عائلة تحت نيران المعركة، في مشهدٍ يُعيد إلى الأذهان أحلك صور التهجير القسري في لبنان الحديث.

ويُتابع الحاج حسن: “على الرّغم من تدخل الجيش اللبناني واستعادة السيطرة عبر اتفاق لوقف إطلاق النار، لم يرافق هذا الإنجاز الأمني أي موقف سياسي رسمي، بل خيّم الصمت، حتّى اللقاء الذي جمعني بمستشار رئيس الجمهورية طوني منصور، الذي لم يسفر عن أي نتائج عمليّة، بل اكتفى بوصف الحادثة بأنّ “الأرض لبنانيّة، ولكن الإشكال مع الطرف الآخر”.

وينتقد الحاج حسن بشدّة وزارة الخارجيّة التي لم تحرّك ساكنًا لتقديم شكوى للأمم المتحدة أو المطالبة بفتح تحقيق دولي في عدوان صارخ على أراضي دولة ذات سيادة، ما يضاعف من معاناة السكان الذين باتوا يشعرون وكأنهم طُمسوا من الخريطة الوطنيّة، وأنّ بلدتهم لم تكن لبنانية يومًا.

ويرى أنّ الأكثر وجعًا هو التجاهل الرسمي لتضحيات الشهداء الذين استشهدوا دفاعًا عن أرضهم وعرضهم، من دون أن يُكرّموا أو تُمنح عائلاتهم حقوق الشهداء، في علامة فارقة على غياب العدالة والتقدير، أمّا بحسب رأيه، فإنّ العائلات النازحة، تعيش ظروفًا قاسيةً بلا دعم من الدولة، وكأنّ نزوحها أمر خاص خارج نطاق المسؤوليّة الوطنيّة.

ويُشدّد رئيس البلديّة على أنّ أهالي البلدة أثبتوا التزامهم الكامل بالدولة ومؤسّساتها، رافضين الانجرار إلى مواجهات خارج إطار الجيش، ومؤمنين بأنّ حماية الوطن لا تتحقّق بفتح جبهات إضافيّة، ومُحذّرًا من أنّ صبرهم ليس مفتوحًا إلى الأبد، خصوصًا في ظلّ منطق العشائر والانتماءات الأهلية التي تهيمن على المنطقة.

ويستذكر بحزنٍ عميقٍ استشهاد ابن أخيه خضر محمد الحاج حسن في كمين غادر على الحدود، وكذلك وفاة أحمد محمد ناصر الدين من شدّة الصدمة على ما حلّ ببيته، وبالتالي فإنّ هذه المشاهد تنطق بأنّ أبناء هذه الأرض يُتركون يموتون مرّتَيْن، مرّة برصاص المعتدين، ومرّة بتجاهل الدولة ونسيانها.

ويؤكّد أنّ هذه القضية تتعدّى بلدة حوش السيّد علي لتشمل نحو 25 بلدة لبنانية تقع في الأراضي السورية ويملكها لبنانيون، أُجبروا على النزوح، وتُركوا بلا غطاء، ونُهبت ممتلكاتهم، ولم تحرّك الدولة ساكنًا للدفاع عن حقوقهم أو توثيق قضيتهم.

ويختم الحاج حسن حديثه بنداءٍ حازمٍ: “ما جرى في حوش السيّد علي اختبار صارخ لجديّة الدولة في حماية حدودها وسيادتها وكرامة أبنائها، ولا يجوز ترك بلدة لبنانية تواجه اعتداءً خارجيًا وحيدةً بلا موقف سياسي أو تحرّك دبلوماسي… في ظلّ هذا الصمت المخيف، يحقّ لنا التساؤل، أين هي السيادة؟ وأين الدولة حين يُنتهك ترابها وتُسفك دماء أبنائها؟”

في المُحصّلة، لم يعد أهالي بعلبك والهرمل يقبلون أن يُعاملوا كأبناء من الدرجة الثانية أو كأيتام بلا ملجأ، فقد آن الأوان للدولة أن تعيد بناء جسر الثقة مع هؤلاء الصامدين، على الرّغم من كل الإهمال، وأن تمنحهم حقهم في حياة كريمة تحكمها العدالة والقانون. والأهم من ذلك، أنّ هذا الشعب بحاجة إلى دولةٍ تحميه، لا تتركه وحيدًا في مواجهة المخاطر، أي دولة تُعيد له كرامته وتعترف بتضحياته، فبعلبك والهرمل جزء لا يتجزّأ من لبنان، وحين تستيقظ الدولة على هذا الواقع، تكون قد خطت أولى خطوات الانتصار الحقيقي لوطن بأكمله.

 

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us