المطران عودة: العالم لا يزال بحاجة إلى الرحمة والمحبّة والتوبة

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس الإلهي اليوم الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
وبعد قراءة الإنجيل المقدس ألقى عظة، أشار فيها إلى أن “إنجيل اليوم يفتح أمامنا باباً واسعاً لفهم سر محبة الله للعالم، ولإدراك عمق التدبير الالهي الذي تم من أجل خلاصنا. في الكلمات القليلة التي سمعناها نجد خلاصة التدبير الخلاصي كله حيث يتقاطع النزول والصعود، الموت والحياة، الدينونة والرحمة، في شخص واحد هو يسوع المسيح ابن الله المتجسد”.
وأضاف: “يبدأ النص بتأكيد على أنه لا أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل منها، أي المسيح نفسه. فالطريق إلى الآب لا يفتح إلا عبر الابن، لأنه هو وحده ابن البشر الذي هو في السماء الذي يعرف الآب معرفة كاملة، ويحمل إلينا حياة السماء. يقول القديس كيرلس الإسكندري: إن المسيح نزل ليلتحم بنا، ويصعد ليحملنا معه. هنا يكمن سر التجسّد، فابن الله صار إنساناً ليدخل الإنسان في شركة الحياة الإلهية. هذه ليست حركة رمزية أو مجازية، بل فعل حقيقي من المحبة الإلهية التي لا تقاس”.
وتابع: “يشبه المسيح رفعه على الصليب برفع موسى الحية النحاسية في البرية، حين تذمر الشعب وأصابتهم الحيات القاتلة، فأعطاهم الله علامة للخلاص، هي حية نحاسية معلّقة، من نظر اليها بايمان نجا. هذه العلامة، كما يوضح القديس يوحنا الذهبي الفم، كانت رمزاً مسبقاً للصلب، حيث يعلّق المسيح نفسه على خشبة ليبطل سم الحية القديمة، أي إبليس. كانت الحية أداة الموت منذ الفردوس، لكن المسيح جعل من صليبه دواء للحياة، محوّلاً آلة الموت إلى ينبوع خلاص. إن النظر بإيمان إلى المسيح المرفوع يشفي من سم الخطيئة والموت، كما شفي العبرانيون من لدغات الحيات”.
وأردف: “هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد. إنها خلاصة الإنجيل كلّه. محبة الله ليست محبّة عابرة ولا عاطفة بشرية، بل محبّة إلهية جوهرية، دفعت الآب ليرسل ابنه الوحيد إلى الألم والموت من أجلنا. المحبّة الإلهية ليست شعوراً، بل عمل خلاصي وبذل حقيقي وتضحية لا محدودة. لم يكتف الله بأن يعطينا شريعة أو أنبياء أو كلمات تعزية، بل أعطانا ابنه الوحيد لنمتلئ منه ونخلص به. أحبّ الله العالم وبذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. ليس الهدف من هذا البذل أن يدين الله العالم. كثيرون يظنون أن الله يترصّد البشر ليدينهم على خطاياهم، لكن المسيح يوضح أن مقصده هو الخلاص لا الدينونة التي تحصل تلقائياً عندما يرفض الإنسان النور ويختار الظلمة. المبادرة الإلهية هي دائما للرحمة، كما يقول القديس إيريناوس: مجد الله هو الإنسان الحي، وحياة الإنسان هي رؤية الله. الله لا يسر بهلاك الخطأة، بل يريدهم أن يتوبوا ويحياوا. هنا يظهر التباين بين فكر الله الساعي إلى الخلاص والمصالحة، وفكر العالم المادي الساعي وراء الكسب والتسلّط والانتقام والقصاص، وإلا كيف يفسّر ازدراء القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية، والمواثيق الدولية، وقتل الأبرياء، وتجويع الأطفال، ومحو المدن والحضارات؟ والساكت عن الظلم والقتل والازدراء بحياة خليقة الله ليس بريئاً بل مشارك في الإثم والخطيئة”.