السنة القضائية اقتربت.. هل تستعيد الثقة المفقودة؟


خاص 12 أيلول, 2025

كل المعلومات تفيد بأنّ السنة القضائية ستبدأ بديناميكية قويّة، وثمة مؤشرات على أنّ رئيس الجمهورية سيرعى بحضور ومشاركة أركان الدولة انطلاقتها في احتفال كبير يقام في قصر العدل في بيروت، وهذا يعطي دفعاً سياسياً ومعنوياً لانخراط القضاء في حسم ملفات عالقة، ما يعيد الأمل إلى اللبنانيين الذين سئموا من التسييس والعرقلة والتلاعب


كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:

ثلاثة أيام فقط تفصل عن انطلاقة السنة القضائية الجديدة، التي تستهلّها العدالة هذه المرّة وقد اكتملت هيئاتها ودوائرها وملئت مراكزها الحساسة، إما بالتعيينات التي أجراها مجلس الوزراء وإما بالتشكيلات القضائية التي صدرت بسلاسة من دون أي معوقات سياسية أو قانونية أو إدارية، علّها تفتح مرحلة جديدة حاسمة في مسيرة القضاء اللبناني.

التفاؤل كبير، لكن يشوبه بعض الحذر من عدم استعادة جزء من ثقة المواطنين بعد سنوات من التعطيل، جراء التدخلات السياسية والشلل الذي أصاب مؤسسات العدالة، ومع أن هذه التشكيلات الجديدة شابتها بعض الانتقادات والملاحظات، إلّا أنها تُعتبر خطوة ضرورية لإعادة تحريك عجلة القضاء، لا سيما في الملفات الكبرى التي تشكّل مصدر اهتمام داخلي وخارجي.

الاختبار الأهم والأدق لحرّاس العدالة وعلى رأسهم مجلس القضاء الأعلى، يتمثّل بقدرتهم على تعبيد طريق المحقق العدلي في ملفّ انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار لإصدار القرار الاتهامي، وفي خطوة توحي بأن الأمور تأخذ مسارها الصحيح قررت الهيئة العامة لمحكمة التمييز عقد جلسات أسبوعية كل يوم اثنين، للنظر في دعاوى مخاصمة البيطار بالإضافة إلى انكباب محاكمة التمييز على النظر بدعاوى الردّ، ومن بين هذه الدعاوى واحدة تتهم البيطار بـ”اغتصاب السلطة”، في إشارة إلى تجاوزه لصلاحياته المزعومة، وهي تهمة ينفيها البيطار وكلّ من يدعم إجراءاته ويعتبرونها جزءاً من حملة ممنهجة لتعطيل التحقيق.

قرار الهيئة بعقد اجتماعات منتظمة يعكس اندفاعة قضائية جديدة للتعامل مع الملفات الحساسة، على حدّ تعبير مصدر قضائي مسؤول، حيث أكد لـ “هنا لبنان” وجود “نيّة جدية لطيّ صفحة الجمود القضائي”، ويشير إلى أن “القضية التي يتولاها البيطار تمثّل اختباراً جدياً لاستقلالية القضاء، بعدما تحوّلت إلى ساحة مواجهة بين قوى سياسية متنازعة، إحداها تسعى لحماية وزراء ونواب وقادة عسكريين وأمنيين وقضاة تحوم حولهم الشبهات، وأخرى ترفع شعار الحقيقة والمحاسبة”.

ورغم أهمية التشكيلات القضائية الأخيرة، تبقى الأسئلة قائمة حول مدى فعاليتها في ظل بيئة سياسية لا تزال تتدخل بشكل سافر في عمل القضاء، سواء عبر الضغوط المباشرة أو من خلال الامتناع عن تنفيذ قرارات قضائية أو حماية بعض المتهمين، وترى أن التشكيلات على أهميتها وضرورتها، لا تلغي نفوذ السلطة السياسية في القضاء، وبقاء مراكز حساسة محسوبة على هذا الزعيم أو ذاك، وهو ما يطرح سؤالاً مركزياً: هل يستعيد القضاء ثقته بنفسه أولاً والأهم ثقة الشعب اللبناني به؟.

لقد عانى القضاء اللبناني في السنوات الأخيرة من غياب الثقة الشعبية، بعدما بات واضحاً أن الكثير من الملفات تُجمَّد أو تُحوَّر بحسب المزاج السياسي، وقد وصلت الأمور إلى حد تعطيل التحقيقات في قضايا فساد وجرائم كبرى، إما عبر دعاوى متكررة لكفّ يد القضاة أو عبر تدخل مباشر من جهات نافذة. ويشدد المصدر القضائي على أن “القضاء دخل مرحلة جديدة، وسيكون على قدر تطلعات الشعب اللبناني وقدرته على استعادة المبادرة”. ولفت إلى أن “بعد التشكيلات لا حجّة لأي قاضٍ للتردد بفصل الدعاوى الموجودة لديه، خصوصاً الغطاء المؤسساتي له مؤمن من أعلى الهرم، أي رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ووزير العدل عادل نصار، ومجلس القضاء الأعلى، وعلى القضاة أن يستفيدوا من هذا الدعم لاستعادة ثقة الناس بهم وبمؤسستهم”.

قضيّة المرفأ ليست وحدها المهمّة، بل هناك عشرات ملفات الفساد، لكن انفجار المرفأ يبقى القضية الأبرز لما لها من رمزية ومعاناة إنسانية، فهي لا تتعلق فقط بكارثة أودت بحياة أكثر من 200 شخص، ودمّرت جزءاً كبيراً من العاصمة، بل مثّلت في مرحلة ما، مرآةً لانهيار مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء، وما لم يتم البت في دعاوى كفّ اليد ومخاصمة القاضي البيطار بشكل سريع وواضح، فإن خطر “موت العدالة” ودفن هذه القضية يبقى ماثلاً أمام عائلات الضحايا والرأي العام.

كل المعلومات تفيد بأن السنة القضائية ستبدأ بديناميكية قويّة، وثمة مؤشرات على أن رئيس الجمهورية سيرعى بحضور ومشاركة أركان الدولة انطلاقتها في احتفال كبير يقام في قصر العدل في بيروت، وهذا يعطي دفعاً سياسياً ومعنوياً لانخراط القضاء في حسم ملفات عالقة، ما يعيد الأمل إلى اللبنانيين الذين سئموا من التسييس والعرقلة والتلاعب.

إزاء الدعم غير المسبوق الذي تلقاه السلطة الثالثة من العهد الجديد وحكومة الرئيس نواف سلام، باتت الكرة اليوم في ملعب القضاء، فإما أن يثبت قدرته على حماية نفسه وأداء واجباته بمهنية وشجاعة، أو يخضع مجدداً تحت وطأة الحسابات السياسية والطائفية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us