500 ألف سوري يعودون إلى ديارهم: فرصة لإحياء الاقتصاد اللبناني وتنظيم سوق العمل


خاص 15 أيلول, 2025

يخشى البعض من أنّ خروج هذه الأعداد الكبيرة من العمال السوريين سيؤدي إلى أزمات في قطاعات حيوية مثل الزراعة والبناء. لكن خبراء الاقتصاد يوضحون أنّ الصورة ليست بهذه السلبية، فالتأثير الفعلي على سوق العمل اللبناني سيكون محدودًا، ويمكن تحويله إلى فرصة اقتصادية حقيقية إذا تم التعامل معه بسياسات مدروسة

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

شهد لبنان في الآونة الأخيرة تطورًا ملحوظًا في أعداد النازحين السوريين العائدين إلى بلادهم، ضمن برنامج العودة الطوعية المنظمة الذي تنفذه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالتعاون مع السلطات اللبنانية. حتى الآن، عاد نحو 50 ألف سوري مسجل رسميًا، مستفيدين من منحة مالية تُمنح لمرة واحدة لتسهيل العودة عبر المعابر الحدودية الرسمية.
كم عدد العائدين المتوقع؟
أعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبناني عن تسهيلات إدارية للراغبين في العودة خلال الفترة من 1 تموز حتى 30 أيلول 2025، حيث سجل أكثر من 80 ألف طلب إضافي للعودة. من المتوقع أن يرتفع عدد العائدين إلى حوالي 130 ألف مع نهاية الشهر الحالي، وهو ما يمثل نحو 10% من إجمالي النازحين السوريين المسجلين في لبنان.
وبحسب التقديرات، يمكن أن يصل إجمالي العائدين بحلول نهاية العام إلى 500 ألف، مع وجود أكثر من 200 ألف سوري غير مسجلين عادوا بطرق فردية منذ بداية 2025.
كيف سيؤثر هذا على سوق العمل اللبناني؟
يخشى البعض من أنّ خروج هذه الأعداد الكبيرة من العمال السوريين سيؤدي إلى أزمات في قطاعات حيوية مثل الزراعة والبناء. لكن خبراء الاقتصاد يوضحون أنّ الصورة ليست بهذه السلبية.
تحوّل في بنية سوق العمل… ولكن لا أزمة
رغم هذه الأرقام الكبيرة، يشير عدد من الخبراء الاقتصاديين لـ “هنا لبنان” إلى أن التأثير الفعلي على سوق العمل اللبناني سيكون محدودًا، ويمكن تحويله إلى فرصة اقتصادية حقيقية إذا تم التعامل معه بسياسات مدروسة.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري إنّ عودة ما يقارب نصف مليون نازح لا تعني تلقائيًا خروج نصف مليون عامل من سوق العمل، موضحًا أن جزءًا كبيرًا من العائدين ليس ضمن الفئة العمرية العاملة، أو لم يكن منخرطًا أصلاً في النشاط الاقتصادي.”
ويضيف: “التقديرات الواقعية تشير إلى أن ما بين 125 و165 ألفًا فقط من العائدين كانوا يشكّلون فعليًا جزءًا من سوق العمل. هذه الفجوة ليست كارثية، بل موزّعة على قطاعات محدّدة مثل الزراعة والبناء، وهي قطاعات يمكن تنظيمها بسرعة إذا وُجدت الإرادة السياسية والإدارية لذلك.”
ويتابع الخوري أن “الزراعة، وهي من القطاعات الأكثر اعتمادًا على اليد العاملة السورية، قد تشهد نقصًا يتراوح بين 20 و28 ألف عامل، ما يستدعي تحرّكًا سريعًا لتعويض هذه الفجوة. أما في قطاع البناء، فقدّر النقص بـ10 إلى 14 ألف عامل، معظمهم من الفنيين والحرفيين، ما قد يؤدي إلى تباطؤ في تنفيذ المشاريع وارتفاع طفيف في الكلفة، لكنه لن يوقف حركة البناء”.
القطاع الزراعي: فرصة لإعادة التنظيم لا أزمة
في المقابل، يرى المعنيون بالقطاع الزراعي أن هذه المرحلة يجب أن تُستثمر لإعادة تنظيم العمل الزراعي وتعزيز استدامته. وفي هذا السياق، يقول احد المزارعين، إن مغادرة جزء من اليد العاملة السورية ليست تهديدًا للقطاع، بل فرصة لإصلاحه.

ويتابع: “العمالة السورية كانت أساسية في الزراعة، وهذا صحيح، لكننا أمام لحظة تحوّل. ما نحتاجه اليوم هو تنظيم سوق العمل عبر تصاريح قانونية، وتدريب لبنانيين على الانخراط في هذا القطاع. الدولة مطالَبة بدعم هذا الاتجاه.”
وأوضح أن “الإنتاج الزراعي لم يتوقف رغم انخفاض عدد العمال، والمواسم مستمرة بشكل جيد، مشيرًا إلى أن الأزمة قد تكون مفيدة على المدى البعيد إذا أدت إلى تعزيز ظروف العمل وتحفيز اللبنانيين على العودة إلى الأرض”.
ويضيف: “ما نراه اليوم هو بداية إصلاح تأخر كثيرًا. يمكننا ملء الفجوات الموجودة حاليًا، وتحقيق أمن غذائي أكبر. اليد العاملة المنظمة أفضل من العشوائية، والقطاع الزراعي قادر على التكيّف والنهوض.”
هل هناك خطر على الاقتصاد اللبناني؟
من جانبه، اعتبر المحلل الاقتصادي باسل الخطيب أن “المخاوف من تأثير سلبي على الاقتصاد “مبالغ فيها”، مشيرًا إلى أن السوق اللبناني لا يزال يحتفظ بكتلة كبيرة من اليد العاملة السورية.”
وقال الخطيب: “حتى بعد عودة نصف مليون، لا يزال هناك نحو مليون ونصف سوري في لبنان، وكثير منهم يعمل أو يبحث عن عمل. لا توجد أزمة عمالة، بل إعادة توازن طبيعية قد تُخفّف المنافسة وتُحسّن ظروف العمل.”
ورأى الخطيب أن “الفروقات الكبيرة في الأجور بين لبنان وسوريا ستُبقي على قسم كبير من العمال السوريين داخل السوق اللبناني، مؤكدًا أن الحاجة للعمالة الماهرة فقط قد تخلق بعض الفجوات، يمكن أن يستفيد منها العمال اللبنانيون في حال تم دعمهم بالمهارات اللازمة”.
القطاع العقاري: تنظيم لا انكماش
أما في ما يخص القطاع العقاري، فشدّد نقيب الوسطاء العقاريين في لبنان، وليد موسى، على أن “خروج جزء من العمالة لن يؤثر سلبًا، بل قد يُعيد تنظيم سوق العمل في البناء بطريقة أكثر قانونية وفعالية”.
ولفت الى ان “العمالة السورية موجودة في القطاع منذ عقود. ما نراه اليوم هو فرصة لإصدار تصاريح عمل قانونية، وتخفيف الفوضى السابقة. لن يتوقّف البناء، بل قد يصبح أكثر تنظيمًا وكفاءة.”
وأضاف أن “التحديات التي يواجهها القطاع العقاري اليوم تعود بشكل أساسي إلى عوامل اقتصادية ومالية، وليس إلى نقص في اليد العاملة، متوقعًا أن يشهد السوق استقرارًا أكبر في المرحلة المقبلة”.
تحوّل قابل للإدارة
تشير المعطيات الميدانية والآراء الاقتصادية إلى أن عودة النازحين السوريين لا تمثل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد اللبناني أو لقطاعات حيوية مثل الزراعة والبناء، بقدر ما تُعد فرصة لإعادة هيكلة سوق العمل، وتنظيمه بطريقة أكثر فعالية.
فالفجوة في اليد العاملة، رغم وجودها، ليست كارثية، بل قابلة للإدارة، شرط أن تترافق مع خطوات عملية تشمل: تحسين شروط العمل، رفع الأجور، توفير برامج تدريب مهني فعّالة، وتنظيم العمالة القانونية.

إذا تم اتخاذ هذه الإجراءات، فإن لبنان لن يخسر من هذه التحوّلات، بل على العكس، قد يخرج منها بسوق عمل أكثر توازناً، واقتصاد أكثر إنتاجية، وقطاعات أكثر استقراراً على المدى البعيد.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us