“الحزب” بمواجهة توق اللبنانيين لحياة “طبيعية”

كتب Michel Touma لـ”Ici Beyrouth”:
في واحدة من مناظراته الجامعية الشهيرة التي تكرس الحرية الفكرية، صرّح الناشط والسياسي الأميركي تشارلي كيرك بجملة قد تبدو شديدة البساطة للوهلة الأولى: “أسلوب الحياة الأميركي الذي نطمح إليه بسيط للغاية: “نريد الزواج وشراء منزل وإنجاب أطفال ومراقبتهم وهم يلعبون على دراجاتهم حتى غروب الشمس.. نطمح لإرسالهم إلى مدارس جيدة وللعيش في حي هادئ”.. تلك العبارة التي تبدو أقرب إلى حلم طفولي أو نزعة رومانسية، تختزن في جوهرها نزوعاً اجتماعياً متنامياً في البلدان الغربية.. نزوع يعبّر عن توق لاستعادة المعنى المفقود للحياة العادية. وما كان يُنظر إليه في السابق كخطاب شعبوي أو “محافظ” يجد اليوم صداه العابر للقارات، كصرخة رفض لانحدار ثقافي يصفه كثيرون بأيديولوجية الـ”ووك”، وكحنين إلى الأسرة والقيم الإنسانية والأخلاقية (التي تحمل في طيّاتها روحاً مسيحية متجدّدة كما قد يقول البعض). ولعلّ ذلك يفسّر موجات التضامن التي انطلقت أخيراً تكريماً لكيرك، في تجمعات ضخمة تجاوزت الولايات المتحدة (بشكل طبيعي) لتشمل بريطانيا (على وجه التحديد) وبولندا وإيطاليا وأستراليا ونيوزيلندا وحتى كوريا الجنوبية.
وبعيداً عن الانجرار للمقارنات المجحفة، يجد اللبناني في هذه الكلمات مرآة لحنينه الخاص: الرغبة بحياة طبيعية.. حياة بسيطة ومستقرة، بعيداً عن أجواء الحرب الدائمة التي خنقت أحلامه لأكثر من نصف قرن. اللبنانيون لا يطلبون أصلاً إلا القليل: أسرة حقيقية (تضم الأب والأم وذريتهم) وبيت يؤويهم ومدرسة جيّدة لأطفالهم وفسحة طبيعية يركضون فيها ويلهون حتى الغروب، و”أحياء آمنة” ينعمون فيها بالسكينة. تلك المطالب البديهية في بلدان أخرى، استحالت في لبنان حلماً مؤجَّلاً بسبب ضغوط الميليشيات وسطوة السلاح غير الشرعي.
ألا يحق للشعب اللبناني أن يحلم بحياة طبيعية، بعد أكثر من خمسة عقود دفع خلالها ثمن “حروب الآخرين على أرضه”؟ حروب عبثية لم تُنتج سوى الخراب والدمار والتفكك. تلك هي الحقيقة التي عبّر عنها الرئيس جوزاف عون بوضوح بالتوازي مع مراسم تشييع حسن نصرالله، في حضرة وفد رسمي إيراني، حين ذكّر بأن اللبنانيين يستحقون حياة كريمة بعيداً عن الحروب بالوكالة. وتلك الحياة البسيطة التي يحلم بها اللبنانيون (وهي الأقرب ربما إلى النمط الغربي التقليدي) هي التي يراها حزب الله كمأخذ ويضعها في خانات التخوين أو التفاهة. وليس غريباً أن يسخر الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله أو أن يتهكّم محمد رعد، من اللبنانيين الذين “لا همّ لهم سوى التنزه أيام الآحاد أو ارتياد المسابح والمطاعم”، وكأنّ طلب الحياة أصبح جريمة.
إنّ تمسّك اللبنانيين اليوم بأسلوب الحياة الطبيعي يصطدم مباشرة بجوهر مشروع حزب الله. فالحزب، بوصفه ذراع “الحرس الثوري” الإيراني في لبنان، لا يخفي هدفه وسعيه لإعادة صياغة المجتمع على هيئة مجتمع مقاتل قائم على استدامة ما يسمى بالمقاومة دون أي أفق. غير أنّ هذه المقاومة المزعومة لم تعد سوى أداة في خدمة الطموحات الجيوسياسية لطهران، على حساب السيادة الوطنية والمصالح الأساسية للشعب اللبناني.
إنّ إصرار حزب الله على الاحتفاظ بترسانته العسكرية، مهما ثقلت الأثمان والتضحيات، يُدخل البلاد في دائرة خطر وجودي. وهذا التعنت لا يهدد الجمهورية اللبنانية فحسب، بل يطال أبسط تطلعات مواطنيها إلى الحياة الكريمة. ومن هنا تأكيد الرئيس جوزاف عون في بيان رئاسة الجمهورية في 14 أيلول (في سابقة للرئاسة اللبنانية) على أنّ “المبادئ التي ضحى الرئيس الشهيد بشير الجميل من أجلها لا تزال من الثوابت الوطنية التي يجمع عليها اللبنانيون وأبرزها لبنان الحر والسيد والمستقل، لبنان الذي يعيش فيه جميع أبنائه بكرامة وأمان”.. بمعنى آخر، الحياة الطبيعية التي يتطلّع إليها اللبنانيون ليست مجرد ترف أو نزعة فردية.. إنها النقيض الوجودي حقا لمشروع الخميني الذي يحاول حزب الله فرضه على لبنان!
مواضيع ذات صلة :
![]() “الحزب” و”درعه” المثقوب! | ![]() عشية الجلسة.. مسيرات لمؤيدي “الحزب” في الضاحية (فيديو) | ![]() اسحبوا أيديكم.. وليتحمل “الحزب” مسؤولية توقيعه! |