عون يقلب معادلة القمم: من الشجب إلى فعل المواجهة


خاص 16 أيلول, 2025

قلب الرئيس جوزاف عون بخطابه في القمة العربية-الإسلامية الطارئة في الدوحة معادلة القمم من الاستنكار إلى القرار، ومن العبارات الإنشائية إلى المواقف الواضحة. فمنح لبنان “القيمة المضافة” وأعاد له موقعه الطبيعي كرافعة فكرية وسياسية، مؤكداً أنّ دوره لا ينحصر في جغرافيا صغيرة، بل يمتد إلى صياغة مستقبل أمة بأكملها

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

في القمة العربية-الإسلامية الطارئة في الدوحة، أطلّ الرئيس اللبناني جوزيف عون بخطاب غير تقليدي، جريء وواضح، أعاد فيه رسم حدود النقاش العربي-الإسلامي. لم يكتفِ بالكلمات المكرّرة عن الإدانة والشجب، بل طرح رؤية عملية تتجاوز البلاغة إلى الفعل، مؤكّدًا أنّ أي اعتداء على دولة عربية هو اعتداء مباشر على لبنان، وأن التضامن مع قطر في هذا الظرف هو تضامن مع الذات ومع مستقبل الأمة جمعاء. شدّد عون على أنّ الاستهداف الحقيقي في العدوان على الدوحة لم يكن أشخاصًا أو مؤسسات، بل فكرة الحوار والوساطة التي جسّدتها قطر في السنوات الماضية، فالغاية لم تكن إسكات أصوات مفاوضين، بل تصفية مشروع التفاوض نفسه وضرب دور الدولة العربية القادرة على صناعة الحلول. بهذا التحليل، نقل الرئيس اللبناني النقاش من إطار الحادثة الأمنية إلى البعد الاستراتيجي، ليكشف أنّ الصمت على مثل هذا العدوان هو تواطؤ ضد قيم السلام والتلاقي.

القيمة المضافة في خطاب عون تمثّلت في ربطه الواضح بين قمّة الدوحة والجمعية العامة للأمم المتحدة المرتقبة في نيويورك، إذ دعا إلى موقف عربي موحّد يُختصر في سؤال واحد موجّه إلى إسرائيل: هل تريد سلامًا عادلًا ودائمًا؟ فإذا كان الجواب نعم، فالإطار واضح عبر مبادرة السلام العربية التي أطلقتها قمة بيروت عام 2002، والتي حظيت مؤخرًا بدعم دولي متجدد تُرجم في “إعلان نيويورك” الصادر عن الجمعية العامة بأغلبية ساحقة محددًا خطوات ملموسة نحو حلّ الدولتين، أما إذا كان الجواب لا أو ظلّ غامضًا، فالمطلوب أن يواجه العرب هذه الحقيقة بوضوح، وأن يتوقفوا عن خداع شعوبهم بشعارات متكرّرة ووعود لا تُنفّذ. في وقت اكتفت فيه بعض المداخلات بتكرار لازمة الشجب، تميّز خطاب عون بجرأته وبقدرته على تحويل المأساة إلى فرصة لتصحيح المسار، فلم يُغرق المستمعين في العبارات المألوفة، بل صاغ معادلة جديدة: إمّا سلام حقيقي قائم على الشرعية الدولية، أو مواجهة الواقع كما هو. وهنا برز لبنان، برئاسة جوزيف عون، كصوت مختلف وسط الحشد، يوازن بين الصدق السياسي والالتزام الأخلاقي.

أثبت الرئيس اللبناني أنّ بلاده، رغم أزماتها الداخلية، لا تزال قادرة على لعب دور وازن داخل المنظومة العربية، فقدّم لبنان الجديد كصوتٍ واضح يربط بين السيادة الوطنية والتضامن العربي، بين مأساة الفلسطينيين وتجربة اللبنانيين مع العدوان، وبين المسؤولية الأخلاقية والبراغماتية السياسية، ما يضع لبنان في موقع المبادرة لا التبعية، وفي موقع التأثير لا التهميش. ولعلّ أهم ما يحمله خطاب عون هو أنّه لم يوجّه رسالته إلى القادة وحدهم، بل إلى الشعوب أيضًا، إذ قال عمليًا إنّ زمن الخيبات يجب أن يتوقف، وأن على الأمة أن تختار بين وضوحين: وضوح السلام العادل أو وضوح مواجهة الحقيقة كما هي. هذه الصراحة تُعيد الثقة المفقودة بين الشعوب وقممها، وتضع حجر الأساس لوعي عربي جديد لا يرضى بأن يُدار بمفردات قديمة.

بهذا الخطاب، قلب جوزيف عون معادلة القمم: من بيانات الشجب إلى فعل المواجهة، من الاستنكار إلى القرار، ومن العبارات الإنشائية إلى المواقف الواضحة. لقد منح لبنان “القيمة المضافة” في الدوحة: جرأة في القول، صدق في الموقف، وربط محكم بين الحاضر والاستحقاقات المقبلة. إنه خطاب يُعيد للبنان موقعه الطبيعي كرافعة فكرية وسياسية، ويؤكد أنّ دوره لا ينحصر في جغرافيا صغيرة، بل يمتد إلى صياغة مستقبل أمة بأكملها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us