فواتير مغلوطة… و”التيّار” يُهاجم للهروب من الحقيقة!


خاص 17 أيلول, 2025

لا يمكن لأحد أن يُحمّل وزيرًا جديدًا، لم يمضِ على تسلّمه الوزارة سوى أشهر معدودة، مسؤولية منظومة فاسدة متجذّرة، ومَن يُصرّ على ذلك يُمارس تضليلًا مُمنهجًا يهدف إلى التستّر على الفساد وحماية نفسه من المحاسبة، فاليوم لا نتحدّث فقط عن سوء إدارة، بل عن مشاركة واضحة في حماية الفوضى

كتبت كارين القسيس لـ”هنا لبنان”:

المواطن الذي يُكافح لتأمين حاجاته الأساسيّة يجد نفسه أسير فواتير كهرباء مشبوهة لا تعكس استهلاكه الحقيقي، بل تكشف عن نظام فاسد يعتمد على التلاعب والمصالح الخاصّة على حساب حقوق المواطن. هذه الأزمة تكشف الوجه الحقيقي لمن يتحكّمون بقطاع الطاقة، الذين حوّلوا الحق العام إلى سلعةٍ بيد شركات خاصة تلتهم أموال اللبنانيين من دون رقيب أو حساب.

فواتير الكهرباء ما زالت تصل إلى المواطنين بأرقام ثابتة ومريبة، وتتحوّل إلى عبءٍ شهريّ متزايدٍ ليس فقط بسبب ارتفاع قيمتها، بل بسبب غموض فاضح يلفّ طريقة احتسابها، ويعكس واقعًا مؤلمًا من التهاون والتقاعس وعدم الشفافيّة.

آلاف اللبنانيين يتلقّون فواتير تحمل أرقامًا ثابتةً تتكرّر شهريًا، من دون أي ارتباط فعلي بحجم الاستهلاك أو قراءة العدّادات، وكأنّ استهلاك الكهرباء صار مجرّد تقديرات وهميّة لا تستند إلى بيانات حقيقيّة، وعلى الرغم من هذا الواقع الذي يجب أن يثير الإنذار، تُصرف الجهود بدلًا من التوجيه إلى مكمن الخلل، في شنّ حملات إعلامية منظّمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل “التيار الوطني الحرّ”، التي تسعى إلى تحميل الوزير الجديد للطاقة، جو صدّي، مسؤولية هذه الفوضى التي في الحقيقة ورثها بعد سنوات طويلة من سيطرة “التيار” الفعلية على الوزارة.

وفي تطوّرٍ يعكس حجم المشكلة وتفاقمها، تواصل مع “هنا لبنان” أحد المواطنين ليكشف عن معاناته، فأفاد بأنّ الفاتورة كانت تصل إليه شهريًا بالرقم نفسه، 71.89 دولارًا، طوال أربعة أشهر متتالية، من دون أي تغيير، ممّا يطرح تساؤلات جديّة حول دقّة قراءة العدّادات وشفافية الحسابات.

وأضاف المواطن مستغربًا: “كيف لهذه الشركة أن تستمرّ في العمل بهذه الطريقة، ولا يرفع أحد الصوت احتجاجًا؟”، محذّرًا من أنّه “في حال لم ندفع الفاتورة اليوم، فإن الكهرباء ستُقطع عنا فورًا”، في واقعٍ يُجبَر المواطن اللبناني على دفع أموال غير عادلة تحت طائلة فقدان خدمة أساسية.

وللتأكد من العملية القانونيّة، يقول مصدر قانوني لـ”هنا لبنان” إنّه في حال ثبت اليوم وجود خطأ فعلي في الفواتير، يحقّ للمواطن قانونيًا عدم دفع المبلغ غير الصحيح، ولا يجوز للشركة قطع الكهرباء عنه، خصوصًا إذا كان الخطأ ناتجًا عن الشركة نفسها، وبالتالي، يؤكّد هذا ضرورة توفير آليات شفّافة للمراجعة والاعتراض تحمي حقوق المستهلكين وتمنع تعسّف الشركات في فرض الفواتير وقطع الخدمات”.

مسرحيّة مكشوفة…

إنّ محاولة “التيار الوطني الحرّ” لصرف الأنظار عن المسؤول الحقيقي وافتعال معركة سياسيّة مع الوزير الجديد ليست سوى مسرحيّة مكشوفة تخفي فشله الذريع في إدارة هذا الملف الحيوي، خصوصًا أنّ وزارة الطاقة ليست الجهة المسؤولة عن الجباية ولا عن تحديد أرقام الفواتير، بل تقع المسؤوليّة على شركة خاصة تُدعى “بوس”، متعاقدة مع مؤسسة كهرباء لبنان، تتولّى مهمّة قراءة العدّادات واحتساب الاستهلاك وإصدار الفواتير وجباية الأموال وتسليمها لاحقًا لمؤسسة كهرباء لبنان.

غير أنّ الواقع الميداني يفضح هذا العقد، إذ يُظهر تقاعسًا خطيرًا من قبل الشركة، ويتساءل مراقبون: “كيف يمكن تفسير وصول معظم الفواتير بنفس القيمة شهريًا؟ وهل من المعقول ألاّ يتغير استهلاك المواطنين؟ أم أنّ الجباة لا يكلّفون أنفسهم حتى عناء قراءة العدادات؟”، فشركة “بوس” تعتمد سياسة “التقدير الافتراضي” عوضًا عن القراءات الدقيقة، وكأنّ العدّادات أصبحت زينة في المنازل من دون قيمة حقيقية، على حدّ تعبير الأوساط.

ووسط هذا الواقع الكارثي والحقيقة الواضحة، يشنّ “التيار” هجومًا على الوزير الجديد، متناسيًا أنّه من أدار وزارة الطاقة لعقودٍ، وهو من أبرم عقود شركات القطاع الخاص التي أوصلت الأمور إلى هذا المأزق، وهو الذي رعى نظام المُحاصَصَة والفساد الذي يستشري اليوم، وبدل أن يعتذر عن هذه الأضرار أو يُطالب بمحاسبة شركة “بوس”، يواصل التشويش وتحويل الانتباه بعيدًا عن المسؤول الحقيقي.

لا يمكن لأحد أن يُحمّل وزيرًا جديدًا، لم يمضِ على تسلّمه الوزارة سوى أشهر معدودة، مسؤولية منظومة فاسدة متجذّرة، ومن يُصرّ على ذلك يُمارس تضليلًا مُمنهجًا يهدف إلى التستّر على الفساد وحماية نفسه من المحاسبة، فاليوم لا نتحدّث فقط عن سوء إدارة، بل عن مشاركة واضحة في حماية الفوضى، والتغطية على التلاعب، وضرب ما تبقّى من ثقة المواطن بدولةٍ باتت أقرب إلى شركة محاصصة ومصالح شخصية على حساب المواطنين، وبالتالي لا يُحاسب صدّي لأنه تسلّم وزارةً منهكةً، يُنتظر منه فقط أن يكشف الملفّات، وأن يُعيد الحقوق إلى أصحابها، أمّا هذا الهجوم الممنهج فهو اعتراف ضمني بخوفه من كشف الحقائق، إذ إنّ الهجوم الوقائي أصبح سلاح الضعفاء، والكذب المكشوف لا ينقذهم من المسؤولية.

في المحصّلة، لم يعد المواطن يطلب ترفًا ولا امتيازات، فقط يريد الحدّ الأدنى من حقوقه، شفافيّة حقيقيّة، وعدّادًا يُقرأ فعليًا، وفاتورةً تعكس استهلاكه لا أكاذيب تُطبخ في مكاتب الشركات الخاصة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us