حماس: انهيار عملاق الورق!

كتب Mario Chartouni لـ”Ici Beyrouth”:
لم تكن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادة حركة “حماس” في الدوحة مجرّد حدث أمني عابر، بل شكلت منعطفًا استراتيجيًا حاسمًا. فللمرة الأولى، وجّهت إسرائيل ضرباتها إلى القلب السياسي للحركة الإسلامية خارج ميادين الصراع التقليدية.
وفي الدوحة، حيث توهّم قادة حماس أنّهم وجدوا ملاذًا آمنًا ومترفًا، جاءت الصواريخ لتذكّرهم بأن الفنادق الفارهة وأرض “اللبن والعسل” لا توفّر حصانةً من الاستهداف ولا تقي من الضربات العسكرية.
ووفق قناة “الجزيرة”، أسفرت العملية عن سقوط ستة قتلى، بينهم نجل خليل الحيّة وضابط قطري. غير أنّ الهدف الحقيقي للعملية كان النيل ممّن تبقّى من المكتب السياسي، من قيادات تاريخية تحوّلت إلى مطارَدين فارّين يعيشون تحت المراقبة الدائمة.
شائعات بائسة: بين تأكيد الموت والتكذيب
بالكاد مرّت ساعات قليلة على الهجوم حتى سارعت قناة “الحدث” للإعلان عن مقتل خليل الحيّة وخالد مشعل. وذهبت بعض الصحف العربية إلى حدّ الحديث عن “قطع رأس الحركة” بالكامل. لكن حماس، وبردّ فعل أشبه بالغريزي، نفت هذه الأنباء مؤكدة: “قادتنا على قيد الحياة”، مع اعترافها بمقتل نجل الحيّة وعدد من مرافقيه.
هذا المشهد العبثي يعكس هشاشةً غير مسبوقةٍ في بنية حماس القيادية. فالحركة وجدت نفسها مضطرّةً لتكذيب شائعات فنائها، عبر بيانات لا تحمل سوى صرخات استغاثة للبقاء. التناقض صارخ: من صورة قادة “محصّنين” أشبه بالأساطير، إلى مجرّد إثباتات حياة.
قيادة مستنزفة
على مدى عاميْن، حطّمت حملة الاغتيالات الإسرائيلية المُمنهجة هرم القيادة في حماس. وتمّت تصفية محمد الضيف، العقل العسكري المدبّر و”شبح غزّة” المزعوم، في تموز 2024؛ واغتيل يحيى السنوار، رمز غزّة، في تشرين الأول من العام نفسه؛ وقبله بتسعة أشهر، صالح العاروري في بيروت؛ أما رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، فاغتيل في طهران في الشهر ذاته من عام 2024.
هكذا لم يبق من القيادة إلا مجلسًا مترهّلًا في الدوحة، يضم وجوهًا عجوزةً تحاول حفظ ما تبقى من وهم التماسك. في طليعتهم خليل الحيّة، الذي وجد نفسه زعيمًا مكرهًا، وخالد مشعل، القيادي المخضرم الذي همّشته شكوكه تجاه إيران، وزاهر جبارين الممسك بالملف المالي من دون أي رصيد سياسي، ونزار عوض الله الذي كاد يختفي من المشهد العام.
هذا كل ما تبقى من حماس… لم يعد من “المقاومة” سوى دائرة ضيقة ومنغلقة… تُدين ببقائها لعدم استهدافها بعد.
بين الترف والانفصال عن الواقع
أمّا ضربة الدوحة، فقد كشفت التناقض الفجّ الذي يطارد حماس. ففي الوقت الذي ترزح فيه غزّة تحت الركام، وتكافح جماهيرها للبقاء على قيد الحياة، يعيش قادتها المنفيون في بحبوحة عواصم الخليج. مشهد الأبراج الفخمة وهي تتهاوى بفعل الصواريخ بدا أكثر فصاحةً من أي خطاب، إذ فضح المسافة بين واقع شعب مسحوق وخطابات التضحية الشعاراتية.
واليوم، باتت حركة حماس أسيرة مأزق قاتل: فهي غائبة عن الميدان، مطاردة في الخارج وفاقدة للشرعية العسكرية ولاي مصداقية سياسية تذكر.
ولعل اغتيال إسماعيل هنيّة شكّل اللحظة الفاصلة في هذا المسار. فقد مثّل آخر قادة الصف الأول القادرين على إيهام الداخل والخارج بوجود قيادة موحّدة ورؤية متماسكة. ومع غيابه، انهارت الصورة الرمزية التي استندت إليها الحركة لعقود، بشكل كامل.