“إذن عدم الوقوف” في بيروت: من أداة للتنظيم… إلى ساحة للفوضى والاستغلال

تُمنح أذونات “عدم الوقوف” أو “إذن منع ركن السيارات” أمام بعض المحلات من قبل بلدية بيروت أو محافظة بيروت، بموجب طلب رسمي يقدمه صاحب المحل التجاري لتسهيل عمليات تحميل وتفريغ البضائع دون تعطيل حركة السير، هذه الأذونات تمنح بعد دراسة دقيقة، وهي لا تُعطى بشكل عشوائي ولكن رغم وضوح الإطار القانوني لهذه الأذونات، تكشف المشاهد اليومية عن تجاوزات خطيرة!
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في قلب العاصمة بيروت، تتكرر يومياً مشاهد لافتات (ممنوع الوقوف – قرار محافظ رقم…) المنتشرة أمام المحال التجارية، حاملةً إشارات وإشعارات توحي بوجود إذن رسمي صادر عن البلدية أو المحافظة. لكن خلف هذا المشهد “المنظّم ظاهريًا”، يختبئ واقع ميداني أقل انضباطًا، حيث تُسجّل حالات استغلال، وتزوير، واحتلال لمساحات عامة يفترض أن تكون ملكاً مشتركاً للجميع.
قرار إداري لهدف تنظيمي محدد
تُمنح أذونات “عدم الوقوف” أو “إذن منع ركن السيارات” امام بعض المحلات من قبل بلدية بيروت أو محافظة بيروت، بموجب طلب رسمي يقدمه صاحب المحل التجاري.
الغرض الأساسي من هذه الأذونات، كما تحدده الجهات المتخصصة، هو تسهيل عمليات تحميل وتفريغ البضائع، خصوصاً في حال استخدام الحاويات (الكونتاينرز)، بما يضمن انسيابية العمل التجاري دون تعطيل حركة السير. ولضمان حسن الاستخدام، تُمنح هذه الأذونات وفقاً لشروط صارمة تشمل:
تحديد الموقع بدقة.
الالتزام بساعات معينة للاستخدام.
منع تحويل الرصيف أو الطريق إلى موقف دائم للسيارات.
تجديد الإذن سنوياً بعد مراجعة مدى التزام المستفيد.
المحافظ: قرارات محصورة ومراقبة دقيقة
وفي حديث خاص لـ “هنا لبنان”، أوضح محافظ بيروت القاضي مروان عبود أنّ هذه الأذونات تمنح بعد دراسة دقيقة، وهي محصورة للغاية ولا تعطى بشكل عشوائي.
وقال: “يقدم الطلب من صاحب المحل، نقوم بدراسته، وإذا كان مستوفياً للشروط، يمنح الإذن. نتابع استخدامه ويجدد سنوياً.”
وشدّد عبود على أنّ “الهدف من الإذن هو تنظيم عملية تفريغ البضائع، لا احتكار الأرصفة أو الطرقات، مشيراً إلى أنّ “الإذن مخصص لمنع ركن السيارات أمام المحلات التجارية لتسهيل حركة الشحن والتفريغ. ولا يحق لأحد استخدام هذه المساحات كمواقف خاصة لسيارته أو لسيارات الزبائن”.
استغلال وتجاوزات… و”الآرمات” المزوّرة
رغم وضوح الإطار القانوني لهذه الأذونات، تكشف المشاهد اليومية عن تجاوزات خطيرة. فقد لوحظ في عدة شوارع في بيروت قيام بعض الأفراد بوضع لافتات “ممنوع الوقوف – قرار محافظ” غير رسمية، في محاولة لإيهام المارة بأنّ لديهم إذناً شرعياً، بينما في الواقع هم يحتلون الرصيف دون مسوّغ قانوني.
وفي حالات أخرى، يتم تزييف اللافتات بشكل محترف، مع ذكر اسم البلدية. وغالباً ما يستخدم هذا “التحايل” لحجز موقف دائم أمام المحل التجاري أو العقار، في انتهاك صارخ للأنظمة.
وتؤكد مصادر في البلدية أنّ مثل هذه الممارسات تعد مخالفات قانونية صريحة، قد تعرض مرتكبيها لغرامات أو إجراءات قانونية مشددة، خاصة في حال التزوير أو التعدي على الملك العام.
دور رقابي ومجتمعي مشترك
إزاء هذه التجاوزات، شدّد محافظ بيروت على أهمية التعاون بين المواطن والإدارة، داعياً الأهالي إلى التبليغ عن أي تجاوز أو استخدام غير قانوني لهذه الأذونات. وقال: “نحن نرحّب بأي شكوى أو بلاغ. هناك آليات واضحة للتبليغ، سواء عبر القنوات الرسمية أو من خلال مكاتب المحافظة.”
كما أكد “استعداده للقيام بـ جولات ميدانية مفاجئة، بالتعاون مع بلدية بيروت، لرصد المخالفات واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المتجاوزين”.
وأضاف أنّ “حماية الملك العام مسؤولية جماعية، وأنّ الالتزام باستخدام الأذونات في إطارها الصحيح ينعكس إيجاباً على الجميع، من أصحاب المحال التجارية إلى المواطنين والمارة.”
التنظيم ليس كافياً… والمطلوب تطبيق صارم
ورغم الإجراءات التنظيمية المعلنة، يقرّ كثير من سكان بيروت بأنّ الفوضى لا تزال حاضرة على الأرض. فبين من يملك إذناً ويستغله بطريقة غير مشروعة، ومن يضع لافتة مزوّرة دون إذن، تضيع معالم التنظيم، وينتزع الحق المشترك باستخدام الطرقات والمساحات العامة.
من هنا، تبرز الحاجة إلى: تعزيز المراقبة الميدانية المنتظمة، نشر لوائح بالأذونات الممنوحة عبر مواقع إلكترونية رسمية لتمكين المواطنين من التحقق، إزالة الآرمات غير القانونية بشكل فوري، معاقبة من يزوّر أو يحتال على القانون.
بين النظام والفوضى… القرار للمجتمع
في مدينة تُعاني من ضغط عمراني وازدحام خانق كبيروت، يصبح تنظيم استخدام الأرصفة والشوارع ضرورة لا رفاهية. لكن نجاح هذه المهمة لا يتوقف على وجود قرارات صادرة من البلدية أو المحافظة، بل يتطلب تطبيقاً حازماً، ورقابة فعالة، ووعياً مجتمعياً بأهمية الحفاظ على الملك العام.
ويبقى “إذن عدم الوقوف” أداة قانونية مهمّة لتنظيم الحركة التجارية، لكن خطره يكمن في تحوّله إلى وسيلة فوضى إذا ترك دون مراقبة أو استغل من خارج الإطار الرسمي.