“تكويعة” قاسم إيحاء إيراني لن يقلب المشهد… المملكة لا تفاوض أحزابًا بل حكومات

نقاشات جرت داخل صفوف الحزب وجدرانه المغلقة، بين مؤيّد لترتيب الوضع مع السعودية وبين معارض لذلك، بعد التطوّرات التي شهدتها المنطقة، فيما أشارت المعطيات إلى أنّ شيئًا من هذا لم يحصل، لكن الأوامر أتت من طهران بعد انطلاق مسار التفاهم مع الرياض.
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
لطالما حاول الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم إطلاق صرخاته، مع رفع الإصبع أحيانًا خلال خطبه السياسية، علّه يحظى بتأييد “جماهيري” من البيئة الحاضنة، التي خفّت نسبة تأييدها للحزب حتى تكاد تصل إلى أدنى الدرجات، فيحاول قاسم شدّ العصب الشيعي متناسيًا أنه لا يملك “الكاريزما” المطلوبة لهذه المهمّة، التي باتت صعبة جدًا بعد مسلسل الخسائر، لكن ومع تولّي قاسم منصب الأمانة العامة للحزب بدأ “بـهوراته” فلم يصدّقْها أحد حتى جمهور الحزب، ثم ما لبث أن هدأ حين وصلته القراءة العسكرية والسياسية لما جرى ويجري من متغيّرات وانقلابات طالت حزبه، فعاد إلى الهدوء والسكينة مستعينًا بالدبلوماسية علّها تنصره، بعدما فشلت كل “العنتريات” التي رافقته من دون أن تحقّق له شيئًا.
حوار مع شروط؟!
انطلاقًا من هنا ومع تأرجح خطب قاسم بين السكينة والصراخ، فاجأ هذه المرّة المؤيدين والخصوم معًا، بدعوته المملكة العربية السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع الحزب، بعد كل النعوت التي كانت ترافق مواقف نواب ومسؤولي الحزب حين يتحدثون عن المملكة، واصفين إياها بالخصم الإقليمي الأكبر، والمفاجأة أنه دعاها إلى الحوار مع شروط، أولها أن يكون الحوار معالِجًا لما وصفه بـ”الإشكالات” في حين أنّها أكبر من ذلك بكثير، طالبًا إعادة ترتيب العلاقات معها، وأن يقوم الحوار على اعتبار إسرائيل هي العدو وليس المقاومة، مع التشديد على التفرّغ لمواجهة إسرائيل وتجميد الخلافات الماضية، بهدف تحقيق هدنة سياسية ضمن المحور العربي.
ما الهدف من استدارة الحزب؟
إلى ذلك، ثمّة أسئلة طرحت من قبل المؤيدين والخصوم حول الهدف اليوم من استدارة الحزب نحو المملكة؟ لا شكّ في أنه تلقّى الإيحاء الإيراني بهذا الانفتاح بترجمةٍ مباشرةٍ للاستدارة الإيرانية بعد اتفاق بكين مع الرياض، وبعد التقارب الإيراني – السعودي، لكن سقط عن بال قاسم ومحاولة التذاكي بأنّ السعودية التي تحوي ثِقلًا عربيًا كبيرًا في المنطقة، لا تحاور حزبًا بل دولة سيادية وضمن أطر دستورية، وهذا ما أعلنه السفير السعودي السابق في لبنان علي عوض العسيري، فور دعوة قاسم من خلال مداخلة متلفزة، “بأنّ المملكة لا تتعامل مع أحزاب بل مع حكومات، وتعاملها يتمّ من خلال سفارتها في بيروت والزيارات المتبادلة بين البلدين، بدءًا من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة والوزراء المعنيين، كما يبقى ملف سلاح حزب الله العائق الأساسي أمام أي مسار للعلاقة”. فيما ضمنيًا ووفق القراءة السياسية ما زال الحزب الأصفر يعمل على تمرير الوقت، علَّه يربح قليلًا وسط سقطاته المدوّية.
ترويج غير موفّق لتعميم قاسم والنقاش الداخلي
في محاولةٍ لتصديق دعوة قاسم إلى الحوار مع الرياض، عمل بعض المقرّبين من الحزب والناطقين الإعلاميين باسمه، على ترويج غير موفّق لتعميم قالوا إنه صدر قبل شهر عن قاسم، يدعو فيه إلى عدم التعرّض سياسيًا للمملكة، ووقف كل الردود الإعلامية ضدّها أو التطاول على مسؤوليها، وذلك بطلب إيراني هدفه تحسين العلاقة بين السعودية والحزب، فيما تشير المعلومات إلى أنّ الرئيس نبيه بري هو مَن طلب من الحزب عدم إطلاق أي موقف سلبي ضد السعودية.
في هذا السياق، نقل هؤلاء أيضًا أنّ نقاشاتٍ جرت داخل صفوف الحزب وجدرانه المغلقة، بين مؤيّد لترتيب الوضع مع السعودية وبين معارض لذلك، بعد التطوّرات التي شهدتها المنطقة من خلال إعادة رسم خرائط جديدة، فيما أشارت المعطيات إلى أنّ شيئًا من هذا لم يحصل، لكن الأوامر أتت من طهران بعد انطلاق مسار التفاهم مع الرياض منذ توقيع اتفاق بكين، والزيارات المتبادلة واللقاءات المتكرّرة، أبرزها لقاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
مؤشرات غير مشجّعة من بن فرحان
وعلى خطٍّ موازٍ، لم يبدِ الموفد السعودي إلى لبنان الأمير يزيد بن فرحان اهتمامًا بتلك الدعوة، بل ركّز خلال لقاءاته المسؤولين اللبنانيين قبل أيام قليلة على كيفية النهوض بلبنان وحلّ مشاكله، فظهرت مؤشرات غير مشجعة من عدم التطرّق إلى ما قاله قاسم، خصوصًا أنّ الحوار مع السعودية مشروط، ما يُطلق العنان للرفض وعدم فتح صفحة جديدة مع حارة حريك، خصوصًا أنها تحرص على إقامة علاقات مميزة مع الدولة اللبنانية، فيما تهدف دعوة قاسم إلى التذاكي والاستثمار الإقليمي بعيدًا عن أي مصلحة تصب في خانة لبنان، ما يضعها ضمن إطار المناورة التي لا يصدقها أحد، إذ وضع قاسم نفسه في مصافّ الدولة على الرّغم من تمسّكه بالسلاح واعتبار مقاومته شرعية، فأراد من جديد التسويق لحزبه بأنّه قوة دفاع إقليمية ضدّ عدو واحد يجب دعمها عربيًا.
باختصار بن فرحان لم يلفت إلى أي تطوّر طرأ على علاقة الرياض بإيران، موضحًا أنّ علاقة طبيعية تسود بين البلدين، وعلى الخط اللبناني عاد ليكرّر بأن لا عودة عن حصرية السلاح بيد الدولة، ممّا يعني أنّ الرسالة وصلت ونقطة على السطر.