من سينتصر: الحزب الأصفر أم ترويكا السلطة؟!


خاص 25 أيلول, 2025

تسوية الدوحة التي كانت مدعومة عربيًا سرقت النصر لصالح الـ”س.س” (السعودية – سوريا)، ما يطرح السؤال: من ستنصر تسوية جادة الروشة بعدما تغيّرت “السينان”؛ السعودية مع ولي العهد محمد بن سلمان، والسورية مع أحمد الشرع؟!

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

الخاسر في أي “تسوية” بين أي دولة ودويلة تنافسها على سيادتها هو دائمًا الدولة لسببَيْن منطقيَيْن:
1 – لو كانت الدولة قوية لفرضت صيغتها على الدويلة، ولكن بما أنّها قبلت بتسوية فهذا يعني أنّها، على الأقل، تعترف بقوة الدويلة كي لا نقول “تنهزم” أمام الدويلة.
2 – الدويلة مارست لعبةً ذكيةً: رفعت سقف مطالبها التي تعرف أن الدولة سترفضها، كي يُعرض عليها تسوية لا تعطيها ما طلبته أساسًا كي يرفض، بل ترفعها إلى مستوى أعلى من الذي ما كانت فيه، ما تعتبره مكسبًا.

هكذا، تحرّر حزب الله من السجن الذي كان محصورًا في داخله في ضاحية بيروت الجنوبية، وسُمح لأنصاره بتنظيم اعتصام على كورنيش الروشة، المواجه للصخرة البحرية التي هي رمز العاصمة، مساء اليوم الخميس 25 أيلول الجاري، للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاغتيال إسرائيل أمينَيْ الحزب حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، شرط أن يلتزم الحزب بالشروط التي وضعها رئيس الحكومة، القاضي الدولي نواف سلام، والتي تحظّر استخدام المكوّنات البيئية الطبيعية لغايات تخدم قوى خاصة.

وافق الحزب الأصفر على الالتزام بالمحظورات التي حدّدها سلام، أي الالتزام بتنظيم اعتصام على جادة الروشة المواجهة للصخرة بعد الحصول على ترخيص من محافظ بيروت، شرط “عدم بث” أي صورة ضوئية أو شعار حزبي على الصخرة بعد غياب الشمس وحلول الظلام، وعدم عرقلة السير وعدم التظاهر في الشارع الرئيسي والشوارع المحيطة لتفادي استفزاز البيئة غير المرحبة بالحزب، وفقًا للشروط التي حدّدها سلام.

فهل سيلتزم الحزب بالتسوية التي تمّ التوصل إليها في اتصالات مع ترويكا السلطة (رئاسة الجمهورية – رئاسة المجلس النيابي – رئاسة الحكومة)؟

لا شكّ في أنّ التسوية تؤمّن الالتزام بالقوانين والإجراءات المعمول بها، ولكنّها حتمًا لا تؤمّن المساواة بين دولة لم تقدر على فرض صيغتها، وإبقاء الحزب محصورًا في ضاحيته ذات السيادة بعد منعه من نشر صور قتلاه على لوحات تجارية وجدران الطريق المؤدي من مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى القصر الجمهوري والسراي الحكومي، مقرّ رئاسة مجلس الوزراء.

وكان لبنان قد جرّب تسويةً مماثلةً تمّ التوصل إليها في 21 أيار 2008 في العاصمة القطرية الدوحة، بعد أسبوعين من اجتياح مسلحي حزب الله بيروت الغربية التزامًا بتعليمات نصر الله بموجب كلمة سر ألقاها ضمن خطاب مساء 7 أيار تنفيذًا لعبارة “السلاح دفاعًا عن السلاح” في معركة حامية مع حركة 14 آذار بقيادة سعد الحريري والتي هُزمت خلال ساعات وتمّ احتلال الشطر الغربي من العاصمة اللبنانية للمرة الثالثة بعد احتلالها من قبل إسرائيل أثناء اجتياح عام 1982 وقوات حافظ الأسد عام 1976.

قبل ثلاثة أيام من سقوط بيروت الذي أطلق عليه نصر الله صفة “يوم مجيد”، كنت ألقي محاضرةً ضمن ندوة لتيار المستقبل يديرها بلال حمد في مدرسة الليسيه عبد القادر ببيروت.
عرضت ما لديّ من معلومات عن عملية عسكرية سينفذها حزب الله من ضاحية بيروت إلى وسط العاصمة في ساحة رياض الصلح ليحاصر السراي الكبير.

علّق بلال حمد، الذي تولى لاحقًا رئاسة بلدية بيروت، قائلًا: “السيد حسن عاقل ولن يفعلها”.
أجبته بعبارة: “هو عاقل فعلًا ويعرف مصلحته لذلك سيفعلها”… وفعلها وسيطر على بيروت الغربية وحاصر السراي لكنّه لم يقتحمها لأن قطر أنقذته من الإحراج ودعت قوى 14 و8 آذار إلى الدوحة للتفاوض على “تسوية”.

بموجب تسوية الدوحة قبل حزب الله بالانسحاب من ساحة رياض الصلح ورفع الحصار عن موقع رئاسة الحكومة. فهل تنازل الحزب حينها؟
كلّا، حكومة 14 آذار هي التي تنازلت ووافقت على إعطاء حزب الله “المثالثة ووزارة المالية” ما أبقاه مسيطرًا على لبنان حتى سقوط حليفه بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024.

هكذا خسرت الدولة لصالح الدويلة بموجب تسوية الدوحة، ورفع الحزب في مناطقه الجنوبية لافتات “شكرًا قطر”.

فمن سيشكر حزب الله بعد المكسب الذي حصل عليه بموجب تسوية جادة الروشة؟!

لا بدّ من التذكير أنّ قطر دعت إلى مفاوضات الدوحة لإنقاذ محور الممانعة الفارسي – الأسدي من مفاعيل الهزيمة التي أنزلها به المقاتلون الدروز في معركتَيْ “تلة 888” في قضاء عاليه ومعركة جبل الباروك في 11 و13 أيار عام 2008.

رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي أنقذني من حصار ميليشياوي في مكتبي في مبنى “النهار”، في شارع الحمراء صباح 8 أيار واستقبلني في بيته في كليمنصو، وافق على السماح لي بالمغادرة إلى عاليه حيث التحقت بنائب المنطقة أكرم شهيب وشهدت معركةً لم أعرف مثيلًا لها في عمري المهني كمراسل حربي.

في 11 أيار، خُطف 4 موظفين من بلدية عاليه قرب منطقة سوق الغرب، وتحديدًا في منطقة 888، وتلقينا اتصالًا في غرفة عمليات الأستاذ أكرم من شاب عرّف عن نفسه وقال إنّ “حزب الله أقام حاجزًا في تلة 888 ويفتّش السيارات. سلاحي معي، سأفتح النار، أرسلوا تعزيزات”. وأقفل الخط.
انتهى الاتصال وبدأ إطلاق النار. كان وليد بيك يريد تسليم مواقع الحزب الاشتراكي للجيش وكان الدروز يرفضون.
“فلينسحب حزب الله، وليسلّم مواقعه للجيش وبعدها نسلّم مواقعنا للجيش بعدما نتأكد من انسحاب عناصر الحزب،” هذا كان رأي الأستاذ أكرم.
حزب الله كان يرفض الانسحاب والجيش كان يرفض الدخول لاستلام مواقع من الحزب.
كان الأستاذ أكرم يعطي تعليماته للمقاتلين: “لا تُطلقوا النار على بيصور وكيفون حيث يسكنهما بعض الاشتراكيين الشيعة، لن يجرّنا الحزب لنضحي برفاقنا”.

فجأة رنّ هاتفي. المتّصل الزميل الياس شاهين من إذاعة صوت لبنان. “أنت وين؟ طمنّي عنك”، سأل الياس وصوته يرتجف. وأضاف: “حزب الله يذيع أنه احتل عاليه وأكرم قتل، أنت وين؟”.
قلت للزميل العزيز المضطرب: “أنا بخير، عند الأستاذ أكرم في بيته بعاليه. أعطيني بث مباشر يا الياس ليصرح الأستاذ”.
“شرحت الوضع للأستاذ أكرم وأعطيته الهاتف وأدلى بتصريح ينفي كل مزاعم حزب الله”.

سألت نفسي: لماذا وزّع الحزب الأصفر النبأ الكاذب؟

جاءني الجواب من رفيق في البقاع، اتصل الرفيق أبو أحمد المناضل العتيق من كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (حبش وليس الخائن جبريل)، وقال لي: “عم يطلعوا عليكم من البقاع بدهم يهاجموا الباروك والمُختارة، ويعملوكم سندويش. هجوم من الغرب عبر الشويفات والودايا وهجوم من الشرق”.

اتصلت بالشيخ علي زين الدين، رئيس مؤسسة العرفان الدرزية رحمه الله، وأبلغته الرسالة، وتولّى هو بقيّة المسؤولية، فحاصرت قوات المشايخ مجموعة الحزب وبينها نجل نصر الله الأصغر، جواد، فطلب الحزب وساطة الرئيس بري، الذي طلب من وليد بيك الحرص على ابن نصر الله، فتمّ لاحقًا إطلاق عناصر المجموعة كلهم بعدما سلموا أسلحتهم وتخلّوا عن سياراتهم.
وانتهت معركة قضاء عاليه بانسحاب عناصر الحزب، وتسليم جثامين قتلاهم للجيش، واستعادة المخطوفين الدروز الأربعة من الحزب السوري القومي الاجتماعي.

هكذا انتصر مشروع القوى السيادية في الجبل الدرزي، لكنّ تسوية الدوحة التي كانت مدعومة عربيًا سرقت النصر لصالح الـ”س.س” (السعودية – سوريا)، ما يطرح السؤال:
من ستنصر تسوية جادة الروشة بعدما تغيّرت “السينان”؛ السعودية مع ولي العهد محمد بن سلمان، والسورية مع أحمد الشرع؟!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us