لبنان على مفترق طرق: إصلاحات جريئة أم مماطلة مع صندوق النقد الدولي؟

صحيح أنّنا مكسورون ولدينا عجز، لكن ما زال لدى لبنان سيولة. وإذا تمّ تنفيذ الإصلاحات بالفعل وليس فقط بالكلام، فمن المؤكّد أنّ لبنان قادر على النهوض
كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:
اختتم وفد “صندوق النقد الدولي” زيارته إلى بيروت بلقاءاتٍ مكثّفةٍ مع المسؤولين اللبنانيين، شملت وزير المال ياسين جابر، ووزير الاقتصاد عامر البساط، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد. من خلال هذه الجولة، بدا وكأنّهم كانوا يقومون بجرد حساب سريع: الجانب اللبناني عرض ما أنجزه من خطوات إصلاحية، في حين رسم الوفد صورة أولية لما قد ينتظر البلد في المرحلة المقبلة من تحديات وفرص. وعلى الرغم من بعض التقدّم الذي يمكن ملاحظته في المفاوضات، تبقى العقدة الأساسية قائمة، وهي قانون الفجوة المالية الذي يشكّل حجر الزاوية لأي اتفاق شامل مع الصندوق. ومع كل هذا التعقيد، لا يمكن تجاهل الجهود التي تبذلها الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية، والتي تظهر في بعض المجالات.
خلال المفاوضات الجارية مع لبنان، شدّد صندوق النقد الدولي على ضرورة أن تسجّل موازنة 2026 فائضًا أوليًا بنسبة 1.7% من الناتج المحلي، وهو معدل يُعتبر مرتفعًا بالنسبة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد. وعلى الرغم من هذا المطلب، حرص الصندوق على عدم فرض أي ضرائب جديدة، وفي الوقت نفسه ركّز على أهمية تعزيز الشفافية المالية ووضع خطة متوسطة الأمد لمعالجة الدين العام المتراكم.
من هنا، وبما أنّ صندوق النقد الدولي يتدخّل في كل صغيرة وكبيرة في لبنان، يقول البروفيسور جاسم عجاقة لموقع “هنا لبنان” إنّ “الصندوق صار كأنّه حجز لنفسه مقعدًا على طاولة مجلس الوزراء”، مستندًا في كلامه إلى ما قاله وزير المالية إنّ “لا أحد سيُدين لبنان إلّا صندوق النقد”. ويعتبر عجّاقة أنّ “أي قرار اليوم لا يمر إلّا بموافقة الصندوق. وحتى أبسط التفاصيل، مثل أجور القطاع العام وتعويضات نهاية الخدمة، أصبح للصندوق رأي فيها، وهذا يوضح حجم النفوذ الكبير الذي صار يمتلكه في إدارة الشؤون المالية في البلد”.
وردًّا على سؤال حول ما إذا كان لبنان قادرًا على إعادة النهوض من دون القروض الخارجية، أجاب عجاقة: “نحن صحيح مكسورون ولدينا عجز، لكن ما زال للبنان سيولة. وإذا تمّ تنفيذ الإصلاحات بالفعل وليس فقط بالكلام، فمن المؤكّد أن لبنان قادر على النهوض. فإذا أرادوا الإصلاحات حقًا، فهم قادرون على اتخاذ خطوات فعلية”.
من هنا يُمكن أخذ تونس كمثال. فبعد أن كانت تعاني من أزمة اقتصادية، لجأت تونس إلى صندوق النقد الدولي. لكنّها اعتبرت أنّ بعض شروط الصندوق تمسّ بسيادة الدولة، فقررت إيقاف المفاوضات واتخاذ إصلاحات بنيوية وجدية على الصعيد الداخلي. نتيجةً لهذه الخطوات، تمكّن اقتصادها من التعافي من دون الاعتماد على الصندوق، وعادت وكالات التصنيف لرفع تصنيف تونس، وتحسّن وضعها الاقتصادي بشكل ملموس.
وأضاف عجاقة أنّ هناك ثلاث ركائز أساسية للنهوض الاقتصادي: أولًا: القطاع المصرفي، ثانيًا: المواطنون، وثالثًا: المغتربون، فإذا وثقوا بالدولة من خلال الإصلاحات، فهذه الركائز كافية لإعادة الاقتصاد اللبناني، شرط تفعيل القضاء وتحمّل التضحيات السياسية. وأوضح أنّ كل المماطلة الحالية مع صندوق النقد تعود إلى أنّ السلطة غير قادرة على القيام بهذه التضحيات.
بحسب معلومات موقع “هنا لبنان”، نقلًا عن مصدر برلماني مطّلع، فإنّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لا يزال بعيد المنال جدًا، في ظلّ تعقيدات قانون الفجوة المالية التي يرفض البرلمان تحمّل تبعاتها في الوقت الحالي. فالقانون يتضمّن شطبًا لجزءٍ من التزامات الدولة، وهو أمر حسّاس للغاية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات النيابية، ما يجعل أي قرار يتعلّق به محفوفًا بالمخاطر السياسية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() موازنة 2026: الناس أولًا أم الأرقام؟ | ![]() ورقة الـ5 ملايين ليرة: محاولة لتعزيز التداول مع الحفاظ على استقرار الليرة | ![]() الفنادق تمتلئ والسماء تهدّد… وصَيْف لبنان يصرّ على البقاء! |