دينامية جديدة تحرر القضاء من أعباء الماضي


خاص 1 تشرين الأول, 2025

ما زال القضاء يعاني من نقص في التمويل والموارد، ومن تجاذبات سياسية تحاول التدخل في مساره، لكن الجديد هذه المرة هو وجود قرار قضائي جماعي بتقديم صورة مختلفة تحاكي تطلعات الناس الباحثين عن عدالة ناجزة، وتعيد التأكيد أنّ الدولة لا تقوم إلّا بقضاء قوي وفاعل ومستقل

كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:

بدا المشهد القضائي في لبنان بصورة مختلفة عمّا كان عليه في السنوات الماضية من التعثّر وتراجع الأداء، الأسبوعان الأولان من السنة القضائية الجديدة، تميّزا بدينامية لافتة داخل النيابات العامة والمحاكم، وبمواكبة دقيقة من مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي، في محاولة جادة لإعادة الاعتبار لمرفق العدالة الذي شكّل طويلاً صمّام أمان للدولة والمجتمع.

كلّ الوافدين إلى قصور العدل في بيروت والمناطق، يشهدون على نشاط استثنائي مقارنة بالمرحلة السابقة. نشاط لا يقتصر على تحريك آلاف الملفات المتراكمة، بل يلحظ السرعة في تحريك الدعاوى العامة، وتعزيز التنسيق مع الأجهزة الأمنية والإدارية، بما يعكس إدراكاً لحجم المسؤولية الملقاة على عاتق القضاء في زمن يتخبّط فيه لبنان بأزمات اقتصادية وسياسية وأمنية خانقة. وتؤكد مصادر قضائية لـ “هنا لبنان”، أنّ القضاء “تحرر من أعباء الماضي، وبات أكثر حضوراً معززاً دور العدالة وقدرتها على مواجهة التحديات”.

وبموازاة الدينامية اللافتة للنيابات العامة، تؤكد المصادر القضائية على أنّ المحاكم اللبنانية “تعمل بأقصى طاقاتها لتخفيف اختناق الملفات والبتّ بآلاف الدعاوى، سواء الجزائية أو المدنية أو التجارية، من خلال تسريع وتيرة الجلسات، واعتماد آليات أكثر مرونة لإصدار الأحكام”.

صحيح أنّ الموارد البشرية لا تزال محدودة، وأنّ القضاة يواجهون ظروفاً صعبة على مستوى الرواتب والتجهيزات، إلا أنّ إرادة العمل تتقدم على العوائق، وهذا المشهد يتكرر يومياً في قاعات المحاكم المكتظة بالمتقاضين ووكلائهم. لم تكن هذه الانطلاقة السريعة عشوائية أو منفردة، بل ترافقت مع مواكبة حثيثة من مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي. وتشدد المصادر القضائية على أنّ المجلس الذي يُعتبر المظلة الأساسية للجسم القضائي “وضع نصب عينيه تفعيل حضور القضاء، من خلال متابعة مباشرة مع المحاكم والنيابات العامة، وتقديم الدعم المعنوي للقضاة في مواجهة الضغوط. أما هيئة التفتيش القضائي، فقد كثّفت من عملها الرقابي، مؤكدة أنها لن تتهاون مع أي تقصير أو تجاوز، في مسعى لترسيخ الثقة العامة بعد سنوات من اهتزاز صورة العدالة”.

ثمّة تحديات أخرى تواجه هذه الدينامية، فالقضاء ما زال يعاني من نقص في التمويل والموارد، ومن تجاذبات سياسية تحاول التدخل في مساره، لكن الجديد هذه المرة هو وجود قرار قضائي جماعي بتقديم صورة مختلفة، تحاكي تطلعات الناس الباحثين عن عدالة ناجزة، وتعيد التأكيد أنّ الدولة لا تقوم إلّا بقضاء قوي وفاعل ومستقل.

كلّ ما تحمله الانطلاقة القضائية من مؤشرات إيجابية، يمثّل فرصة ثمينة أمام القضاء اللبناني لإعادة ترميم جسور الثقة مع المواطنين. فالمطلوب اليوم ليس فقط تسريع المحاكمات أو فتح الملفات العالقة، بل تكريس مبدأ أنّ العدالة فوق الجميع، وأنها تبقى الركيزة الأساسية لأي مشروع إصلاحي أو اقتصادي أو سياسي.

يتطلع اللبنانيون جميعاً إلى السنة القضائية الجديدة بأمل كبير، لكنّه “مشوب بالحذر والترقّب”، لعلّ النيابات العامة والمحاكم تحافظ على هذا الأسلوب الجديد من العمل، وتستمر المواكبة الصارمة من مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي، بما يحصّن المرفق القضائي ضد الانتكاسات، لتكريس واقع جديد مفاده أنّ السنة القضائية الحالية ستكون نقطة تحول حقيقية، وليست مجرد محطة عابرة في سجل المحاولات المتكررة لإصلاح العدالة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us