ترامب والإغلاق الحكومي: القيادة الصعبة في مواجهة أزمة الاقتصاد الأميركي


خاص 2 تشرين الأول, 2025

يسلط الإغلاق الحالي الضوء على ضرورة وجود قيادة تستطيع اتخاذ قرارات صعبة وحاسمة لحماية الاقتصاد والمصالح الوطنية، ويبدو أنّ الرسالة واضحة: في وقت تتصاعد فيه التحديات المالية والسياسية، تحتاج الولايات المتحدة إلى نهج صلب يوازن بين الحفاظ على الخدمات الأساسية وتقليل الإنفاق غير الضروري، بما يضمن استقرار الاقتصاد وثقة الأسواق على المدى الطويل

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

استفاق الأميركيون على خبر مفاجئ: الحكومة الفيدرالية توقفت عن العمل بعد أن فشل الكونغرس في تمرير ميزانية مؤقتة.

آلاف الموظفين وجدوا أنفسهم فجأة في إجازة إجبارية، وأغلقت بعض المكاتب والوكالات أبوابها، بينما تأثرت الخدمات اليومية التي يعتمد عليها الناس مثل التعليم والدفاع والبيئة. بعض المشاريع الحكومية توقفت مؤقتًا، والبيانات الاقتصادية المهمة مثل تقارير الوظائف الشهرية قد تتأخر، ما يزيد حالة عدم اليقين لدى المواطنين والمستثمرين.

هذا الإغلاق ليس الأول في تاريخ الولايات المتحدة، لكنه الأول منذ نحو سبع سنوات. آخر إغلاق طويل حدث في الفترة بين كانون الأول 2018 وكانون الثاني 2019، واستمر لمدة 35 يومًا، ليكون الأطول في تاريخ البلاد. خلال تلك الفترة، قُدّرت تكلفة الإغلاق بنحو 11 مليار دولار، مع خسائر دائمة تصل إلى نحو 3 مليارات دولار، نتيجة لتوقف العمل وتأجيل المشاريع وتأثير ذلك على ثقة المستثمرين.

كل يوم يمر في ظل هذا الإغلاق يعني خسائر جديدة للاقتصاد الأميركي. فتوقف العمل في الوزارات والوكالات الحكومية لا يؤثر فقط على الموظفين الذين لا يتقاضون رواتبهم، بل يمتد تأثيره إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على العقود الحكومية والخدمات المرتبطة بها.

وكل تأجيل في صدور التقارير الاقتصادية، مثل بيانات الوظائف والتضخم، يزيد من حالة عدم اليقين لدى المستثمرين ويضع الأسواق المالية تحت ضغط أكبر. كما أنّ استمرار الإغلاق يضعف ثقة المواطنين في قدرة الحكومة على إدارة مؤسساتها بكفاءة، ما ينعكس على الإنفاق الشخصي ويزيد التكلفة الاقتصادية بشكل يومي.

لا يؤثر الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة فقط على الاقتصاد المحلي أو الموظفين، بل له تداعيات تتجاوز الحدود الأميركية. فتوقف بعض الوزارات والوكالات وتأجيل صدور البيانات الاقتصادية المهمة يجعل المستثمرين حول العالم في حالة ترقب، ويزيد من التوتر في الأسواق المالية العالمية.

أسواق الأسهم والعملات تتفاعل بسرعة مع أي أخبار عن عدم الاستقرار في أكبر اقتصاد في العالم، كما أنّ الثقة بالاقتصاد الأميركي تتأثر مباشرة، وهو ما ينعكس على الاستثمارات الأجنبية وأسعار الفائدة العالمية.

باختصار، كل يوم إضافي للإغلاق يزيد من المخاطر المالية على نطاق عالمي، ويجعل أي خطة اقتصادية أو استثمارية أكثر تعقيدًا، وكل يوم إضافي للإغلاق ليس مجرد يوم عطلة قسرية للموظفين، بل يمثل مليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية المحتملة التي تتراكم بسرعة، ويؤكد الحاجة إلى حل عاجل يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي.

ولكن الوصول إلى هذا الإغلاق لم يكن حدثًا مفاجئًا، بل نتاج خلاف طويل بين الجمهوريين والديمقراطيين حول أولويات الميزانية والبرامج الحكومية. الجمهوريون، بقيادة الرئيس ترامب، أصروا على تمرير ميزانية تشمل تغييرات في إدارة الحكومة وبرامج الرعاية الصحية، مع التركيز على ضبط الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات.

من جانبهم، رفض الديمقراطيون الموافقة على أي تمديد للتمويل ما لم يشمل حماية برامج الرعاية الصحية، خصوصًا قانون “أوباما كير”، بالإضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بالدعم الاجتماعي والمشاريع الحيوية للمواطنين.

في قلب هذا الخلاف، يظهر موقف الجمهوريين كجزء من محاولتهم للسيطرة على الإنفاق الحكومي وتقليل الدين العام الذي وصل لمستويات قياسية. من وجهة نظرهم، هناك مشاريع ومصروفات لا تخدم مصالح البلاد بشكل مباشر، مثل بعض برامج الهجرة غير النظامية أو الالتزامات التي لا تعكس أولويات المواطنين.

هذا التركيز على ضبط الإنفاق يأتي في وقت يحتاج فيه الاقتصاد الأميركي إلى استقرار مالي، بينما يسعى الجمهوريون لإيجاد توازن بين تقديم الخدمات الأساسية وحماية الموارد المالية للدولة.

بهذا الشكل، يبدو أن جزءًا من الموقف الجمهوري لا يهدف فقط إلى تقليص الإنفاق، بل إلى إعادة ترتيب الأولويات بما يضمن استدامة الاقتصاد وتقليل العبء على دافعي الضرائب.
وسط كل هذه التحديات، يبقى السؤال الأبرز: كيف ستتمكن الحكومة من العودة للعمل بسرعة وإعادة الاستقرار للاقتصاد والمواطنين؟ من وجهة نظر الكثيرين، يظهر دور الرئيس ترامب في قيادة الإدارة بحزم خلال هذه الأزمة كعامل رئيسي لإعادة ترتيب الأولويات وإدارة الموارد المالية بعقلانية.

الإغلاق الحالي، رغم تداعياته الثقيلة، يسلط الضوء على ضرورة وجود قيادة تستطيع اتخاذ قرارات صعبة وحاسمة لحماية الاقتصاد والمصالح الوطنية. ويبدو أنّ الرسالة واضحة: في وقت تتصاعد فيه التحديات المالية والسياسية، تحتاج الولايات المتحدة إلى نهج صلب يوازن بين الحفاظ على الخدمات الأساسية وتقليل الإنفاق غير الضروري، بما يضمن استقرار الاقتصاد وثقة الأسواق على المدى الطويل.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us