وفاة القاصر مهنّد “جريمة داخل السجن” أم “انتحار”؟

وفاة الطفل مهند الأحمد داخل سجنه، ليست مجرد حادثة مأساوية، بل جرس إنذار مدوٍّ حول واقع سجون الأحداث في لبنان، حيث يُحتجز أطفال في ظروف تفتقر إلى العدالة والرعاية، وتُداس فيها براءتهم على يد البيروقراطية والإهمال، قضية تستوجب المتابعة من قبل المعنيين
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
أثارت قضية وفاة الفتى السوري مهند الأحمد (مواليد 2011)، داخل مكان توقيفه في سجن الوروار – بعبدا، حالة من الغضب والتساؤلات حول واقع السجون اللبنانية، لا سيما أوضاع القاصرين فيها، والظروف النفسية الصعبة التي يعانونها في ظل انعدام الرعاية والمساءلة.
الطب الشرعي يحسم
وبعد تضارب الأنباء حول أسباب وفاة الفتى ذي الأربعة عشر عامًا بين من رجّح الانتحار، أو توقف القلب، أو الوفاة نتيجة التعذيب حسم تقرير الطبيب الشرعي الأمر، مؤكّدًا أن الوفاة حصلت نتيجة الانتحار شنقًا، باستخدام شرشف قام بربطه على إحدى نوافذ الزنزانة.
وفي اتصال مع موقع “هنا لبنان”، قال متعب حسين، ابن عم الفتى المتوفى، إنّ الطبيب الشرعي أكد في تقريره أنّ الجثة تمّ سحبها بعد أن كانت معلّقة على الشباك بشرشف وهي لم تحمل أي آثار تعذيب أو عنف، وأنها نُقلت إلى مستشفى الحياة بعد محاولة إنعاش فاشلة. وأشار حسين إلى “أنّ والدَي مهنّد مقيمان في سوريا، أما شقيقاه فموقوفان حاليًا في سجن رومية بتهمة سرقة، وهي التهمة ذاتها التي أُوقف بسببها مهند في الأول من تموز 2025”. وأضاف “أنّ العائلة كلفته متابعة القضية واستلام الجثة تمهيدًا لنقلها إلى سوريا.”
والد القاصر: “ابني لم ينتحر!”
ونقلت وكالة SDNAL، المعنية بملف الموقوفين السوريين في لبنان، عن والد مهند قوله إنّ ابنه كان موقوفًا منذ نحو ثلاثة أشهر في سجن بعبدا، دون أن يُسمح له التواصل مع أسرته طوال تلك الفترة، معربًا عن استبعاده فرضية الانتحار، ومشيرًا إلى احتمال أن يكون قد “قُتل داخل السجن”.
خلل قضائي وإداري
وفي سياق متصل، علّقت أميرة سكر، رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان، على الحادثة، معتبرة “أنّ سجون الأحداث تعاني من اكتظاظ القاصرين، مقابل نقص حاد في عناصر قوى الأمن”. وأضافت “أنّ بطء الإجراءات القضائية يُفاقم الأوضاع، ففي حالات معينة يرفض القضاة تعيين محامين للقاصرين عند غياب ذويهم، ما يؤدي إلى تأجيلات متكررة قد تمتد لأشهر”. وشددت سكر على “أنّ مبنى الوروار، رغم حداثته وتجهيزاته المتقدمة، يفتقر إلى الحد الأدنى من الكوادر التربوية والنفسية المتخصصة، وهو ما ينعكس سلبًا على الحالة النفسية للقاصرين، الذين يعيشون في عزلة، ويتساءلون عن مصيرهم، وغياب أهلهم عن زيارتهم”. وأضافت “المندوبة الاجتماعية في الوروار لاحظت تدهورًا في الحالة النفسية للفتى مهند، وتمّ تحويله إلى المستشفى في 9 أيلول، حيث تلقى علاجًا أوليًا وأدوية ملائمة لحالته، لكن غياب أخصائية نفسية معالجة ومجازة بشكل دائم داخل السجن أعاق المتابعة اليومية الضرورية”. وأردفت: “جميع القاصرين داخل السجن يعانون نفسيًا. البعض منهم لا يعرف مصيره، ولا يفهم سبب غياب أهله عنه”. ولفتت إلى أنه و”على الرغم من وجود مذكرة صادرة عن المدعي العام التمييزي تسمح للأهالي بزيارة أولادهم القاصرين، فإنّ تنفيذها لا يتم دائمًا، ما يزيد من عزلة هؤلاء الأطفال”.
ودعت سكر إلى “ضرورة فصل ملفات القاصرين عن الراشدين، وزيادة عدد المندوبات الاجتماعيات في السجن إلى ما لا يقل عن ثلاث، بالإضافة إلى توعية الأهل بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم الموقوفين، بدل التخلي عنهم”.
سجونٌ تضاهي سجون العالم؟
من جانبه، عبّر الناشط الحقوقي والمحامي محمد صبلوح عن صدمته مما حدث، معتبرًا أنّ وفاة مهند داخل سجن قيل إنه “يُضاهي سجون العالم”، تُعد فضيحة تستوجب المساءلة. وقال صبلوح لـ “هنا لبنان”: “كيف يُقدم فتى يبلغ من العمر 14 عامًا على الانتحار داخل مبنى حديث خُصص للأحداث؟ هذا دليل على وجود خلل بنيوي خطير، وعلى وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن وإدارة السجن تحمّل المسؤولية ومعاينة الواقع بأنفسهم”. أضاف صبلوح: “لا يوجد سبب منطقي لطفل في هذا العمر لإنهاء حياته، ما لم يكن يتعرّض لسوء معاملة، خصوصًا أنه لم يكن يتواصل مع أهله، ولم يُعرض على المحكمة، ولم يكن هناك من يواكبه أو يرعاه.” مؤكداً أنّ ما حصل مع مهند يمثل انتهاكًا صريحًا للحقوق الأساسية التي يضمنها القانون للقاصرين، مشيرًا “إلى أنّ عدم عرضه على القضاء، وحرمانه من محاكمة عادلة أو حتى تواصل إنساني، هو دليل على أنّ نظام السجون في لبنان لا يزال قائمًا على العقوبة بدل الإصلاح، فحتى لو بُنيت سجون حديثة، فإنّ الثقافة التي تُدار بها هذه السجون لا تزال قمعية وغير إنسانية. ولا بد من تغيير جذري في النهج المتبع مع القاصرين الموقوفين”.
قوى الأمن توضح
من جهتها، علقت المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي ـ شعبة العلاقات العامّة، على المغالطات التي نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي والتي رافقت وفاة السجين القاصر ومن أنه كان مضرجاً بالدماء ،فأوضحت أنه نحو الساعة 15:00 من تاريخ 29-09-2025، وأثناء تنزّه نزلاء المركز في الباحة الخارجيّة، أقدم القاصر على الانتحار داخل مرحاض الغرفة 110 عبر لفّ شرشف على عنقه وتعليقه بالشباك. توجه العناصر إلى المكان حيث وُجد فاقدًا للوعي، فنُقل فوراً إلى مستشفى الحياة حيث فارق الحياة. وذكر تقرير الطبيب الشرعي أنّ سبب الوفاة توقّف القلب نتيجة الاختناق (شنق)، ولا توجد أي آثار عنف على جسمه.
وأوضحت المديرية أنّ الموقوف قد حاول الانتحار سابقًا في 05-09-2025، وعُرض على طبيب للأمراض العصبيّة ووُصفت له أدوية كان يتناولها بانتظام. وهو نُقِل مع بقية النزلاء من سجن رومية إلى مركز الوروار في 03-09-2025، وهو سجن حديث ويلبي شروط العيش اللائق والمعايير العالمية. وطالبت بتحري الدقّة وعدم نشر أخبار غير مؤكّدة.
وفاة الطفل مهند الأحمد داخل سجنه، ليست مجرد حادثة مأساوية، بل جرس إنذار مدوٍّ حول واقع سجون الأحداث في لبنان، حيث يُحتجز أطفال في ظروف تفتقر إلى العدالة والرعاية، وتُداس فيها براءتهم على يد البيروقراطية والإهمال، وهي قضية تستوجب المتابعة من قبل المعنيين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() توقيف سماسرة يتحكمون بالدعاوى من رصيف قصر عدل طرابلس | ![]() سائقو الدرّاجات لا يعرفون “الفرامل”.. أوقفوا “الفوضى القاتلة” | ![]() السجناء السوريون يُطلقون “وكالة أنباء” لإيصال صوتهم |