السيارات الكلاسيكية: بين التراث والشغف والاستثمار

ترجمة هنا لبنان 2 تشرين الأول, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتبت Christiane Tager لـ”This is Beirut“:

السيارات الكلاسيكية أكثر من مجرّد هواية أو شغف شخصي. لقد باتت من الأصول الاستثمارية التي تتمتّع بقيمة مالية متنامية. وفي هذا الإطار، تُطرح بعض التساؤلات: فهل الأفضلية للطرازات الأميركية أم الأوروبية؟ وفي السياق اللبناني، هل يشهد هذا القطاع نموًّا فعليًا يكفل تحويله إلى سوق ناشئة، أم أنّه ما زال محصورًا ضمن دائرة ضيّقة من المهتمّين والخبراء؟

في ظلّ تقلّبات الأسواق التقليدية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية والتوتّرات الجيوسياسية، تظهر سوق السيارات الكلاسيكية كخيارٍ أكثر استقرارًا نسبيًا. فهي لا تلبّي شغف الهواة فحسب، بل تجذب المستثمرين الباحثين عن أصول بديلة ذات قيمة متنامية. وفي كلّ من الولايات المتحدة وأوروبا، سَجّلَت المزادات أسعارًا قياسية، فيما تتنافس المتاحف على اقتناء النماذج النادرة والمتميّزة.

أمّا في لبنان، فتشهد سوق السيارات الكلاسيكية نموًّا تدريجيًا يجمع بين قوة المحرّكات الأميركية وصقل أناقة الطرازات الأوروبية. وعلى الرَّغم من أن حجم السوق لا يزال متواضعًا، تظهر مؤشرات النموّ واعدة، مع بضع آلاف من السيارات التي يحافظ أصحابها عليها بعناية فائقة. ومع ذلك، يظلّ السؤال مطروحًا: هل يندفع المقتنون بدافع الشغف، أم بهدف الاستثمار؟

ويعتبر روني كرم، رئيس لجنة التحكيم وسفير الاتحاد الدولي للسيارات الكلاسيكية (FIVA)، أنّ “كلّ ما هو نادر في عالم السيارات الكلاسيكية يُساوي ثروة”. وفي حديثه لـ”This is Beirut”، أشار إلى أنّ بعض السيارات التي تعود إلى ما قبل الحرب، والتي يصعب العثور عليها، تُباع بمبالغ خيالية، مشيرًا في الوقت نفسِه إلى أنّ الاتجاه السائد حاليًا يميل إلى طرازات السبعينيّات لسهولة قيادتها بشكلٍ يومي.

وتتوزّع السيارات الكلاسيكية بشكل رئيسي ضمن ثلاث فئات: السيدان، الكوبيه، والكابريوليه، مع بقاء الفئتَيْن الأخيرتَيْن الأكثر طلبًا نتيجة محدوديّة إنتاجهما.

إلّا أنّ القيمة السوقية لأي سيارة لا تُقاس بالتصنيف وحده، بل تتأثّر أيضًا بتاريخ السيارة وحالتها العامّة واحتفاظها بأجزائها الأصلية ودرجة ندرتها. كما يمكن للعوامل الثقافية، مثل ظهورها في الأفلام أو ملكيتها لشخصيات مشهورة (مثل مارلين مونرو وستيف ماكوين)، أن تضاعف من قيمتها، لتصبح أحيانًا أقرب إلى “وزنها ذهبًا”.

الأميركية بمواجهة الأوروبية

تتصدّر السيارات الأميركية المنافسة بفضل جرأتها وهيبتها وقوة حضورها التاريخي، حيث تظلّ طرازات مثل فورد ثاندربيرد وشيفروليه إمبالا من بين الأكثر جذبًا لهواة الجمع. في المقابل، تحافظ السيارات الأوروبية على تفوّق نسبي في السوق العالمية، إذ تبرز علامات مثل بورشه 911، فيراري ومرسيدس لما تحمله من رمزية فاخرة وطلب مستمر عبر الأسواق الدولية. ويُشير كرم إلى أنّ خيارات السيارات الكلاسيكية أكثر توفّرًا في أوروبا مقارنةً بالولايات المتحدة، على الرغم من أنّ السوق الأميركية ما زالت تُخفي الكثير من المفاجآت.

تراث ثقافي متحرك

يُصنّف الاتحاد الدولي للمركبات الكلاسيكية (FIVA) السيارة الكلاسيكية على أنّها أي مركبة يزيد عمرها عن 30 عامًا. ويؤكّد روني كرم أن هذه السيارات لم تعد مجرّد أصول مالية أو أدوات للمضاربة، بل أصبحت تراثًا ثقافيًا متحركًا، وهو ما تعكسه الشراكة القائمة بين FIVA ومنظمة اليونسكو في جهود الحفاظ على هذا التراث المتجدّد.

وعلى عكس السيارات الحديثة التي تفقد قيمتها فور مغادرتها صالات العرض، تحافظ السيارات الكلاسيكية على قيمتها أو حتى ترتفع وفقًا لتقلبات السوق. كما أنّ اهتمام المتاحف وهواة الجمع يساهم بشكل مباشر في رفع أسعارها، ممّا يجعل هذه المركبات مطلوبةً بشغف يجمع بين العاطفة والقيمة الاستثمارية.

لبنان: سوق شغوفة رغم المحدودية

في لبنان، يُقدّر عدد السيارات الكلاسيكية بما بين 2000 و3000 مركبة، وفقًا لروني كرم. وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد يبدو محدودًا، فهو يعكس شغفًا حقيقيًا لدى مقتني هذه السيارات. ويشير كرم إلى أنّه “بعيدًا عن قيمتها الاستثمارية، تحمل هذه السيارات بُعدًا ثقافيًا خاصًا، وقبل كل شيء يجب أن يكون المقتني عاشقًا لها”.

وعلى الرغم من صغر حجم السوق، يشهد القطاع نموًّا متزايدًا في أعداد الهواة والمهتمين المطلعين على تفاصيله. وعلى عكس التصورات الشائعة، فإن الأثر البيئي لهذه السيارات محدود للغاية، إذ تمثل أقلّ من 1% من الأسطول العالمي، ونادرًا ما تتجاوز مسافة 1000 كيلومتر سنويًا. وبمعنى آخر، فإنّ السيارات الكلاسيكية تُعد أقلّ تلويثًا بكثير مقارنةً بالازدحام اليومي على أوتوستراد جونية.

بين الشغف والربح

يُشكّل الاستثمار في السيارات الكلاسيكية رحلةً تجمع بين المتعة والإثارة والعوائد المالية المحتملة، حيث تحدّد القيمة الطراز والحالة والندرة، وقد سجلت بعض السيارات القديمة مؤخرًا أداءً استثماريًا فاق الكثير من الخيارات التقليدية. ومع ذلك، يبقى الطريق محفوفًا بالتحدّيات، فالشغف بالاقتناء لا يضمن دائمًا الوصول إلى صفقة مثالية.

وختامًا، في لبنان على غرار باقي الأسواق، تبقى السيارات الكلاسيكية فرصة فريدة تجمع بين الشغف وصقل الخبرة. وبين هدير المحركات الأميركية وخطوط الطرازات الأوروبية، يبقى الدرس الأهم: الشغف الحقيقي هو الذي يمنح الاستثمار قيمته الحقيقية في عالم السيارات الكلاسيكية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us