السلام يطرق باب الغزّاوِيين… و”الحزب” غارق في سرديّاته!

يقف لبنان أمام فرصة قد تكون الأخيرة لإعادة تموضعه إلى جانب شعوب المنطقة التي سئمت من حركات الميليشيات وأذرع “المقاومة” المتناسلة. والمطلوب إرادة سياسية وأمنية وقضائية واضحة تفرض حضور لبنان في مشروع السلام والاستقرار المقبل.
كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:
تنشغل العواصم الإقليمية والدولية بمحاولات إخماد نيران غزّة على وقع “خطة ترامب للسلام” وترسيخ وقائع جيوسياسية جديدة في الشرق الأوسط، فيما يجد لبنان نفسه مجدّدًا عالقًا في دوامة المراوحة، “متذرّعًا” بالحفاظ على السلم الأهلي، وسط تخبّط متزايد حول مشروع لبنان الدولة.
وفي خضمّ هذا الانسداد، يواصل “حزب الله” سياسة الإنكار والتحدّي. فتصريحات رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد بأن “المقاومة تعافت وأعادت بناء قدراتها بما يتلاءم مع المتغيّرات”، لا تختلف في مضمونها عن خطاب الغلبة الذي يعتمده الحزب منذ سنوات، لكنّها هذه المرة تحمل خطرًا مضاعفًا، إذ تبدو كاستدعاء مباشر لإسرائيل كي تواصل المواجهة مع أذرع إيران بعد الانتهاء من حماس.
وتترافق مواقف رعد مع تهديداتٍ أطلقها نائبا الحزب، حسن فضل الله وعلي المقداد، ضدّ رئيس الحكومة نواف سلام، على خلفية إدراج طلب وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، حلّ جمعية “رسالات” التي تُعدّ إحدى الواجهات المدنية لـ”حزب الله” على جدول أعمال مجلس الوزراء. فضل الله وصف القرار في حال اتُّخِذ بأنه “باطل وغير قابل للتطبيق”، مخاطبًا الحكومة بعبارة “بلّوا القرار واشربوا ميّتو”، فيما اعتبر المقداد أنّ البند الوزاري المتعلق بسحب الترخيص “غير أخلاقي”، ملوّحًا بـ”كلام آخر في السياسة” إذا مضت الحكومة بتنفيذه.
يأتي هذا التصعيد في توقيتٍ بالغ الحساسية، محليًا وإقليميًا. فبينما تتجه “حماس” إلى القبول بخطة السلام الأميركية، يسعى “حزب الله” إلى استباق جلسة مجلس الوزراء المقبلة، التي ينتظرها الداخل والخارج على حدٍّ سواء، نظرًا لتناولها ملفَّيْن حرجَيْن: تقرير الجيش الأول حول تنفيذ خطة حصر السلاح في كل المناطق اللبنانية، والبتّ في حلّ جمعية “رسالات” التي تسلّل من خلالها “حزب الله” إلى “غزوة الروشة”.
تمسّك رئيس الحكومة نواف سلام بموقفه القانوني والدستوري، مؤكدًا أن لا دولة بلا قانون ولا قانون بلا مساواة بين المواطنين، وأنّ درء الفتنة لا يكون بالرضوخ للابتزاز، يعكس توجهًا صلبًا لمحاسبة الضالعين في “واقعة الروشة”، والدفاع عن فكرة الدولة في وجه منطق الميليشيا. غير أنّ التخوّف يزداد من ردّ فعل “حزب الله” الذي يبدو أنه يتعامل مع القضية ليس فقط دفاعًا عن جمعية، بل في إطار معركة أوسع لتعطيل مسار نزع السلاح، والإبقاء عليه ورقةً بيد إيران تستخدمه بندًا أساسيًا في أي تسوية إقليمية مقبلة.
وفي ظلّ الحذر من أن تستمرّ إيران في المكابرة عبر “حزب الله” وتحويل لبنان إلى نسخةٍ ثانيةٍ من غزّة، يبدو لبنان مهدّدًا بأن يدفع مجدّدًا ثمن ارتباط الحزب بالمشروع الإيراني. فبينما تُفتح الأبواب في المنطقة أمام خرائط سلام جديدة واقعية، يظهر لبنان وكأنّه خارج الحسابات، أسير منطق الميليشيا، وعاجز عن إعادة إنتاج نفسه كدولة.
وما يجري في غزّة اليوم من مفاوضات مباشرة بين “حماس” وإسرائيل، برعاية أميركية وعربية، يقدّم درسًا واضحًا: حتى القوى الأكثر تشدّدًا أدركت أن المستقبل لا يُبنى بالسلاح، بل بالتفاوض والمكاسب السياسية. وحده “حزب الله” ما زال متمسكًا بشعار “المقاومة إلى الأبد”، مانعًا لبنان من أن يكون جزءًا من مستقبل المنطقة واستقرارها.
اليوم، يقف لبنان أمام فرصة قد تكون الأخيرة لإعادة تموضعه إلى جانب شعوب المنطقة التي سئمت من حركات الميليشيات وأذرع “المقاومة” المتناسلة. والمطلوب إرادة سياسية وأمنية وقضائية واضحة تفرض حضور لبنان في مشروع السلام والاستقرار المقبل.
أمّا استمرار “حزب الله” في التهديد والتصعيد، فسيؤدّي بلبنان إلى المزيد من العزلة والانهيار. فالعالم يتغيّر، وخريطة النفوذ تُعاد رسمها، وعلى لبنان أن يختار: أن يكون ساحة تصفية حسابات، أم دولة تسعى إلى فرض مكانها في مشروع السلام المقبل.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() وهم “الانتصارات”: خيارٌ ضائع أم انفجارٌ وشيك؟ | ![]() حين يتكلم لبنان الدولة… تصمت دويلة السلاح! | ![]() السلام المفقود… هل يعيده “إعلان نيويورك”؟ |