“الحزب” وهيبة الدولة: أزمة جمعية “رسالات” تكشف الخلل في تطبيق القانون


خاص 7 تشرين الأول, 2025

خطوة تعليق عمل جمعية “رسالات” قد تكون رمزية أكثر مما هي عملية، إذ تظهر مرة أخرى حدود قدرة الحكومة على مواجهة النفوذ السياسي القوي في لبنان. ولكن الإجراءات القانونية وحدها لن تكون كافية ما دامت القوة السياسية الفعلية خارج سلطة الدولة، وهذا يطرح تساؤلات أكبر حول جدية السلطة التنفيذية في حماية القانون واستعادة هيبة الدولة

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

تسببت إضاءة صخرة الروشة بصور الأمينين العامين لـ”حزب الله” حسن نصرالله وهاشم صفي الدين بجدل واسع أثار ردود فعل سياسية وقانونية. على خلفية هذه الحادثة، بادر وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار إلى طلب حلّ “الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات” وسحب العلم والخبر منها، مشيرًا إلى مخالفتها تعليمات محافظ بيروت رقم 3681/ب م الصادرة بتاريخ 24/9/2025، وعدم الالتزام بنظامها الداخلي وبالشروط المرتبطة بالعلم والخبر. كما أشار القرار إلى انتهاك الجمعية للأملاك العامة واستخدامها لأغراض غير مرخصة تمس النظام العام.

وفي خطوة متصلة، قرر مجلس الوزراء اللبناني تعليق عمل جمعية “رسالات”، وسط جدل واسع حول نشاطات الجمعية الأخيرة التي أثارت انتقادات سياسية وقانونية، وذلك بعد سلسلة من الملاحظات حول تجاوزات في تنفيذ أنشطتها، ما يطرح تساؤلات حول مدى التزامها بالقوانين والأنظمة الإدارية المطبقة على الجمعيات المسجلة في لبنان.

ويعكس القرار حرص الحكومة على ضبط تطبيق القوانين والإشراف على الأنشطة الثقافية والاجتماعية، مع السعي للحفاظ على هيبة الدولة واحترام الإطار القانوني. كما يندرج ضمن متابعة الحكومة لمختلف الجمعيات والنشاطات التي قد تؤثر على النظام العام، مسلطًا الضوء على دور السلطات التنفيذية في ضمان التوازن بين الحريات العامة والتقيد بالقوانين.

فهل يمكن اعتبار تعليق عمل جمعية “رسالات” خطوة كافية لاستعادة هيبة الدولة، أم أنه مجرد إجراء شكلي أمام النفوذ المتزايد لبعض القوى السياسية؟

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي مروان الأمين أنّ الأحداث التي شهدتها صخرة الروشة، بما في ذلك الكسر والتحدي الذي أبداه حزب الله تجاه الشرعية اللبنانية، تعكس عدم امتثال الأجهزة الأمنية والعسكرية لقرارات رئيس الحكومة. ويؤكد الأمين أنّ ما حدث كان يجب أن يؤدي إلى محاسبة الأجهزة المعنية وملاحقة قضائية للشخصيات التي رعت الاحتفال، وعلى رأسها الحاج وفيق صفا.

لكن الأمين يشير إلى أنّ تعامل الحكومة مع القضية بدا مجرد محاولة لترقيع الأمور على الطريقة اللبنانية، عبر حصر المشكلة بجمعية “رسالات” وتعليق عملها بدل سحب الترخيص بشكل كامل، مؤكداً أنّ ذلك يعكس استمرار نفوذ حزب الله وسيطرته على الأجهزة الأمنية والعسكرية والدولة العميقة.

ومع التحليل السياسي، يأتي التفسير القانوني ليوضح الإطار الرسمي للقرار، حيث يرى المحامي شربل عرب أنّ جمعية “رسالات”، المسجلة لدى وزارة الداخلية، تعمل في المجالات الثقافية والاجتماعية وتشمل أنشطتها جميع الصعد، سواء الفعاليات الثقافية أو الاجتماعيات مثل القصص والأنشطة المجتمعية. إلا أنّ الجمعية اعتبرت إضاءة صخرة الروشة بمناسبة ذكرى استشهاد السيد نصر الله نشاطًا اجتماعيًا، وهو ما يشكل مخالفة للترخيص الممنوح لها من بلدية بيروت.

ويضيف عرب أنّ الترخيص الممنوح للجمعية يتضمن شروطًا واضحة، مثل عدد الأشخاص المسموح لهم بالحضور والمناطق المسموح بالإنارة فيها، مؤكداً أنّ الجمعية خالفت هذه الشروط بشكل صريح. وفي هذا الإطار، يمكن للقضاء اللبناني متابعة الجمعية وفق المادة 770 من قانون العقوبات، الخاصة بمخالفة الأنظمة والقرارات الإدارية، والتي تنص على عقوبة الغرامة دون التوقيف.

ويشير عرب إلى أنّ قرار مجلس الوزراء بتعليق عمل الجمعية غير قانوني وغير مناسب، لأنّ القانون لا يعرف “تعليق العمل” للجمعيات المسجلة بالعلم والخبر. ويعتبر أنّ الإجراء القانوني الصحيح كان سحب العلم والخبر الممنوحين للجمعية، وهو القرار الأكثر صلابة وشرعية، مع إمكانية الطعن أمام مجلس شورى الدولة، ما قد يؤدي إلى إبطال قرار التعليق. ويؤكد عرب أنّ القضاء المختص هو الجهة الأقدر على فرض الغرامات والعقوبات، بما يتيح لاحقًا لمجلس الوزراء اتخاذ قرار بحل الجمعية وسحب العلم والخبر إذا استدعى الأمر.

يبقى واضحاً أنّ خطوة تعليق عمل جمعية “رسالات” قد تكون رمزية أكثر مما هي عملية، إذ تظهر مرة أخرى حدود قدرة الحكومة على مواجهة النفوذ السياسي القوي في لبنان. الإجراءات القانونية وحدها لن تكون كافية ما دامت القوة السياسية الفعلية خارج سلطة الدولة، وهذا يطرح تساؤلات أكبر حول جدية السلطة التنفيذية في حماية القانون واستعادة هيبة الدولة. في النهاية، مثل هذه القرارات تظل مؤشراً على التوتر المستمر بين القانون والواقع السياسي المعقد، وقدرة الدولة على فرض سلطتها تبقى محل شك.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us