لبنان أمام خريطة تعليمية جديدة: 46% من التلامذة يتركون المدارس الخاصة؟


خاص 9 تشرين الأول, 2025

بحسب الاستطلاع الذي أجراه الباحث في مركز الدراسات اللبنانية، محمد حمود، تبيّن أن 46% من التلامذة انتقلوا هذا العام من المدارس الخاصة إلى الرسمية، في واحدة من أكبر موجات التحوّل في تاريخ التعليم اللبناني الحديث، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية وضغط التكاليف، وليس تغيّرًا في قناعات الأهالي تجاه جودة التعليم الرسمي

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

بعد أن تداولت وسائل إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي نتائج استطلاع رأي جديد حول واقع التعليم في لبنان مع بداية العام الدراسي، برزت أرقام صادمة تُظهر حجم التحوّل في الخريطة التعليمية بين القطاعين الخاص والرسمي.

فبحسب الاستطلاع الذي أجراه الباحث في مركز الدراسات اللبنانية، محمد حمود، تبيّن أن 46% من التلامذة انتقلوا هذا العام من المدارس الخاصة إلى الرسمية، في واحدة من أكبر موجات التحوّل في تاريخ التعليم اللبناني الحديث. ويعزو حمود هذا الانتقال إلى الأزمة الاقتصادية وضغط التكاليف، وليس إلى تغيّر في قناعات الأهالي تجاه جودة التعليم الرسمي.

تكاليف التعليم تتجاوز دخل الأسرة

تشير نتائج الدراسة إلى أنّ الفجوة بين دخل الأسرة ومتطلبات التعليم لا تزال شاسعة رغم تحسن محدود في المداخيل خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2025، أصبحت كلفة تعليم طفل واحد في مدرسة خاصة تعادل نحو أربعة أضعاف متوسط الدخل الشهري للأسرة، وهو ما جعل التعليم الخاص رفاهية لا يستطيع معظم اللبنانيين تحمّلها.

كما أفاد ثلثا الأهالي المشاركين في الاستطلاع (1089 وليّ أمر من مختلف المحافظات) بأنهم يعانون باستمرار من صعوبة في تسديد الفواتير المنزلية وتغطية نفقات التعليم والمعيشة، فيما أشار 3% فقط إلى أنهم نقلوا أبناءهم إلى مدارس خاصة هذا العام، بسبب ما وصفوه بـ”تراجع جودة التعليم الرسمي”.

ويقول حمود إنّ “النتائج تُظهر بوضوح أنّ المسألة مالية بحتة، فمعظم الأسر لم تعد قادرة على دفع الأقساط، والمخاوف من تراجع مستوى التعليم الرسمي لم تكن كافية لوقف الانتقال القسري نحوه”.

الحرب الأخيرة تزيد المشهد تعقيداً

لم تقتصر التحديات على الأزمة الاقتصادية. فوفق نتائج الاستطلاع، يعيش 3 من كل 10 مستطلَعين في مناطق متضرّرة من الحرب الأخيرة على لبنان، حيث نزح 86% منهم من منازلهم في فترات مختلفة، قبل أن يعود 83% منهم لاحقًا.

لكن الصورة التعليمية أكثر تعقيدًا: فقط 25% من الأطفال النازحين عادوا إلى مدارسهم الأصلية، مقابل 9% لم يلتحقوا بالمدرسة هذا العام، و16% انتقلوا إلى مدارس أخرى.

ويُرجع معظم الأهالي (بنسبة 75%) سبب هذا الانتقال إلى الأوضاع المالية الصعبة وارتفاع الرسوم المدرسية، بينما أشار 21% إلى تدمير منازلهم، و16% إلى مخاوف أمنية. والأخطر أنّ 27% من الأطفال في المناطق الحدودية عانوا من انقطاع تام عن التعليم خلال العامين الماضيين.

هل تعكس هذه الأرقام الواقع بدقة؟

رغم هذه المؤشرات، يطرح كثيرون تساؤلات حول دقة نتائج الاستطلاع ومدى تمثيلها للواقع التعليمي الفعلي، خصوصاً أن التسجيل المدرسي الرسمي لم يُقفل بعد، وأنّ حركة انتقال التلامذة لا تزال مستمرة حتى اللحظة.

في هذا السياق، يرى رئيس رابطة التعليم الاساسي الرسمي ‎حسين جواد، أنّ الصورة لم تتضح بعد بشكل كامل، موضحًا: “ما زلنا بانتظار انتهاء فترة التسجيل خلال الأسبوع المقبل لنعرف الحجم الفعلي لحركة الانتقال. هناك مدارس رسمية استطاعت استقبال الطلاب الجدد بسهولة، وأخرى وصلت إلى أقصى طاقتها الاستيعابية.”

ويشرح جواد أنّ التفاوت بين المناطق كبير: “في القرى والأرياف، تعاني بعض المدارس من قلة عدد الطلاب، بينما في المدن أو المناطق ذات السمعة الجيدة تعاني مدارس أخرى من الاكتظاظ، ما يخلق فجوة بين مدرسة مكتظة وأخرى شبه خالية.”

“لولا إيمان المديرين لانهار التعليم الرسمي”

وعن واقع التعليم الرسمي اليوم، يقول جواد إنّ القطاع يصمد بفضل مديرين مؤمنين برسالته، رغم غياب الدعم المالي: لو لم يكن هناك مديرون في المدارس الرسمية يؤمنون بقضية التعليم الرسمي، لانهار هذا النظام منذ زمن. المشكلة الأساسية أنّ 90 إلى 95% من المدارس الرسمية تبدأ عامها الدراسي من دون أي موازنة تشغيلية، أي بصفر في الصندوق المالي، ما يجعلها عاجزة عن تأمين أبسط المستلزمات.”

فقدان الكتب والورق والحبر… و”التعليم على الحد الأدنى”

ويتحدث جواد أيضاً عن أزمة متزايدة تتمثل في فقدان الكتب المدرسية والمواد الأساسية. ويقول: “نحن نعمل ضمن برنامج دعم أطلقته وزارة التربية لتعويض الفاقد التعليمي عبر حصص إضافية تمتد لشهرين، لكننا نفتقد إلى أبسط الوسائل اللازمة لإنجاح هذا المشروع. لا ورق، لا حبر، ولا حتى ماكينات تصوير صالحة.”

ويتابع بأسف: “في بعض الحالات يُطلب منا تصوير ملفات ملوّنة، لكن لا نملك سوى أوراق بيضاء بالكاد تكفي للحاجات الأساسية، وبذلك يفقد العمل قيمته التعليمية.”

محفوض: التعليم الرسمي بحاجة إلى إنقاذ لا إلى ترقيع

من جهته، يرى نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض أنّ المشكلة لم تعد تتعلق فقط بالقدرة على الدفع أو جودة التعليم، بل بـ”غياب سياسة تعليمية واضحة المعالم”. مشيراً إلى أنّ نتائج هذا الاستطلاع لا يمكننا الاستناد إليها خصوصاً وأنّ الواقع مختلف تماماً عن ذلك.

ويلفت إلى أنّ “المدرسة الرسمية تُترك لتواجه مصيرها عاماً بعد عام، من دون خطة إنقاذ أو تمويل مستدام. ما يحصل اليوم ليس إصلاحاً ولا حتى دعماً مؤقتاً، بل إدارة أزمة بالحد الأدنى”.

ويضيف محفوض أنّ التعليم الرسمي “لا يمكنه الصمود بالنيات الحسنة فقط، مشددًا على أنّ إنقاذه يتطلب قرارات سياسية جريئة لضمان التمويل، وتحسين رواتب المعلمين، وتوفير بيئة تعليمية قادرة على الصمود أمام الانهيار الاقتصادي المستمر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us