بين “رسول السلام” و”رئيس السلام”… فرصة لاستعادة الرسالة والدور!

الزيارة المرتقبة من قبل “رسول السلام”، على وقع حراك “رئيس السلام”، تمنح لبنان فرصة نادرة لكسر عزلته، والتأكيد أنه لا يزال قادراً على أن يكون من رواد السلام وصانعيه، لا ساحة لحروب الآخرين. إنها لحظة تفرض على اللبنانيين أن يختاروا بين أن يكونوا جزءاً من المستقبل، أو أن يكتفوا بالتفرج على ما يُرسم ويُحاك لهم من بعيد
كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:
يجد لبنان نفسه اليوم على تقاطع لحظتين تاريخيتين؛ لحظة روحية – سياسية يمثلها قدوم “رسول السلام” البابا لاوُن الرابع عشر إلى بيروت بين 30 تشرين الثاني و2 كانون الأول المقبل، ولحظة سياسية – إقليمية يطغى عليها حضور “رئيس السلام” دونالد ترامب في شرم الشيخ، حيث يلتقي عدداً من القادة العرب والدوليين، لوضع أسس خطة السلام في غزة والمنطقة، على وقع وقف إطلاق النار الذي أنهى جولة عنيفة من المواجهات بين إسرائيل وحركة “حماس”.
بين الحدثين، يظهر لبنان غائباً عن المشهد، كمن يراقب من بعيد رسم خرائط المنطقة الجديدة، فيما تتعاظم مسؤولية أن يجعل من زيارة البابا مناسبةً لإعادة تثبيت رسالته ودوره في صناعة السلام، لا مجرد محطة دينية أو رمزية.
تغييب لبنان عن لقاءات شرم الشيخ ليس تفصيلاً دبلوماسياً، بل مؤشر واضح على حجم التراجع الذي أصاب موقعه ودوره. فالدولة الغارقة في أزماتها، والمنقسمة على ذاتها بين الحزم والتراخي، لم تتمكن من الإظهار للعالم تحرر موقع القرار من منطق الميليشيا، مع إصرار “حزب الله” على الزج بلبنان في صراعات المنطقة، رغم تداعيات انخراطه في مغامرة “طوفان الأقصى” ومساندة السنوار منذ عامين.
ومع دخول خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيّز التنفيذ في مرحلتها الأولى يوم الجمعة، اختارت إسرائيل أن توجّه رسائلها فجر السبت عبر استهداف معدات مدنية في الجنوب، في إشارة صريحة إلى أن “السلام المنشود في غزة لن يطال لبنان”، بل ربما يترافق مع تصعيد ميداني جديد بعد أن تتفرغ تل أبيب لجبهتها الشمالية.
على الضفة الأخرى، يستعد اللبنانيون لاستقبال البابا لاوُن الرابع عشر في زيارة تحمل أبعاداً تتجاوز الطقوس الكنسية والرسائل الروحية. فالحبر الأعظم، الذي اختار لبنان ليكون من أوائل محطاته الخارجية بعد انتخابه، يزور بلداً طالما وصفه أسلافه بأنه “أكثر من وطن، إنه رسالة”. ومع ذلك، فإن الرسالة اليوم باتت مهددة بفعل الانقسامات، وتراجع الحضور، والعزلة التي يعيشها لبنان عن مسار السلام الإقليمي. لذلك، ينبغي أن تتحول هذه الزيارة إلى فرصة سياسية ووطنية لإعادة تثبيت موقع لبنان في قلب مشروع السلام، لا كملف تابع أو ساحة، بل كشريك حقيقي له إرادة مستقلة.
إنّ “زيارة رسول السلام” إلى بيروت يجب أن تُستثمر لمطالبة الحبر الأعظم بكسر الحواجز المفروضة على لبنان، وبأن يجعل من بيروت محطة تلاقي مع خطط السلام التي يجري رسمها في المنطقة. بل إنّ على البابا أن يتوّج زيارته التاريخية بدعوة صريحة لزيارة أورشليم القدس، المدينة التي شهدت ولادة أول كنيسة في العالم، والتي لا يمكن لأي مشروع سلام أن يكتمل من دونها. فسلام المنطقة لا يكتمل إن ظلّ طريق القدس مغلقاً أمام المؤمنين وأمام إرادة المصارحة والمصالحة الحقيقية.
لبنان اليوم أمام امتحان واضح: إما أن يبقى أسير صراعات المحاور، أو أن يستعيد دوره كدولة سلام ورسالة. فالزيارة المرتقبة من قبل “رسول السلام”، على وقع حراك “رئيس السلام”، تمنحه فرصة نادرة لكسر عزلته، وتأكيد أنه لا يزال قادراً على أن يكون من رواد السلام وصانعيه، لا ساحة لحروب الآخرين. إنها لحظة تفرض على اللبنانيين أن يختاروا بين أن يكونوا جزءاً من المستقبل، أو أن يكتفوا بالتفرج على ما يرسم ويحاك لهم من بعيد.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() السلام يطرق باب الغزّاوِيين… و”الحزب” غارق في سرديّاته! | ![]() وهم “الانتصارات”: خيارٌ ضائع أم انفجارٌ وشيك؟ | ![]() حين يتكلم لبنان الدولة… تصمت دويلة السلاح! |