سجناء لبنان غاضبون من الاتفاق.. والسوريون يخشون الاستثناءات

بين مساعي الترحيل والتصعيد المُحتمل، يقف ملف السجون اللبنانية أمام مفترق خطير، إما عدالة شاملة تعيد الثقة بالقضاء وتُنهي معاناة السجناء، أو انفجار إنساني جديد داخل السجون، يعكس فشل الدولة في إدارة أحد أكثر ملفاتها إلحاحاً
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
لم يُفضِ الاتفاق اللبناني – السوري الذي يقضي بتسليم مئات السجناء السوريين إلى بلدهم، باستثناء المتورطين بجرائم قتل، إلى تبريد قلوبهم. فبينما تراه السلطات خطوة مهمة، يخشى هؤلاء من “تمرير اتفاق مُجحِف وظالم بحقهم”، في “ظل الغموض الذي ينتابه والذي سيتحدّد على أساسه مصير أكثر من ألفي سجين سوري موجودين في لبنان”، وفق ما يراه أحد الموقوفين السوريين في سجن رومية المركزي، والذي طالب بإيجاد “حلول شاملة” لا بتطبيق مبدأ “العدالة الانتقائية”..
ورغم تأكيد وزير العدل اللبناني عادل نصّار أنّ لقاءه مع نظيره السوري، الأسبوع الماضي، كان مُثمراً للغاية، وأنّه “سيُصار إلى إرساء الأطر القانونية السليمة بين البلدين بهدف تسريع معالجة ملف الموقوفين والمحكومين السوريين في السجون اللبنانية”، إلا أنّ القلق يُخيّم على السجناء السوريين ومثلهم اللبنانيون، فالسوريون قلقون من الاستثناءات التي قد تطال المئات منهم، فيما اللبنانيون ينتابهم شعور بأنّ الحكومة والمجلس النيابي قاما بخذلهم ولم يبادرا إلى النظر بأوضاعهم أسوة بزملائهم السوريين.
غليانٌ لبناني وتصعيد
إذاً، يعيش الموقوفون اللبنانيون حالة غليان في سجن رومية وهم يستعدون لإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام، احتجاجًا على ما يرونه “تمييزًا” في معالجة ملفات السوريين قبل اللبنانيين. غضب السجناء اللبنانيين هذا، أجّجته معلومات عن إمكانية توقيع الاتفاقية القضائية المرتقبة مع الوفد السوري يوم غدٍ الثلاثاء أو خلال الأيام المقبلة على أبعد تقدير، وأكّد أحد الموقوفين في اتصال مع “هنا لبنان”: “إنّ الاتجاه هو لإعلان الإضراب عن الطعام وهو سيبدأ بخمسمئة سجين في “رومية”، وسيتوسع ليشمل جميع السجون إذا أُبرم الاتفاق دون حلول متوازية للبنانيين”، مضيفاً: “نحن في حالة تأهبٍ وتنسيق دائم، وفي حال تجاهلت الحكومة مطالبنا وبدأت بتسليم السجناء السوريين فسنقوم بخطوات تصعيدية أخرى”.
وأعلن الموقوف السوري “أحمد.ع” في حديث إلى “هنا لبنان” عن نيّتهم المشاركة في الإضراب عن الطعام، “في حال تبين أنّ الاتفاق القضائي السوري- اللبناني يتضمن حلولاً متجزئة”، مُحذّراً من “انفجار الوضع داخل السجون التي يسودها الجو السلبي خاصة في ظل المعلومات المتضاربة التي تتداولها وسائل الإعلام”، مُبدياً “تخوّفه من أن تتضمن الإتفاقية استثناءات كبيرة وأن لا تأتي على قدر التوقعات”.
العدالة لا تتجزّأ
أحد أبرز الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية “ع.أ”، شدّد على “أن الاحتجاج ليس على الاتفاق الذي سيُعقد بين لبنان وسوريا، بل على تجزئة العدالة”، وطالب “بتحديد سقف زمني لأحكام الإعدام والمؤبد، وتقليص السنة السجنية استثنائيًا لستة أشهر”، معتبراً أنّ هذا لا يُهدّد العدالة، بل يخفف معاناة السجون”. وأضاف الموقوف: “لقد عانى السجناء لسنوات طوال من ظروف صعبة واستثنائية ككورونا، الانهيار المالي، الإهمال الطبي، وصولاً إلى حالات الوفاة والانتحار المتكررة داخل الزنازين والناجمة حتماً عن تقصير مُمنهج في الرعاية الصحية والغذائية”.
وضرب الموقوف مثالًا على “التمييز القضائي” في قضية عمر فاخوري الذي أُطلق سراحه بحجة سقوط الجرم بمرور الزمن لوجوده 20 عاماً خارج البلاد، بينما “يقبع موقوفون منذ أكثر من عشرين عامًا خلف القضبان بلا محاكمة عادلة”..
عدالة انتقالية وسلام متجاوب
وخارج الأسوار، يتابع عدد من الحقوقيين ملف السجناء اللبنانيين وهم ينادون باستمرار بالرأفة بحالهم. وحذّر ائتلاف السيادة والعدالة الانتقالية في لبنان وهو يضم 18 حقوقيّاً ومحامياً، من “أن معالجة ملف السجناء السوريين بمعزل عن اللبنانيين ستفجّر أزمة جديدة”. وقال المحامي محمد صبلوح (عضو الإئتلاف) لـ “هنا لبنان”: “إنّ السجون على أبواب الانفجار ومسألة الاستشفاء والغذاء فيها حدث ولا حرج، الوضع مأساوي والقضاء لا يقوم بواجبه، لا يوجد آليات كافية للسوق، نحن أمام حالة استثنائية لا يمكن إصلاحها إلا من خلال تحقيق المطالب المُحقّة للسجناء”، مشيراً إلى “أنه في دول العالم ومع بداية أيّ عهد جديد تصبح العدالة الانتقالية هي الحلّ وليس العدالة الانتقائية التي ستُعمّق المشكلة”. ولأنّ العدالة لا تتجزّأ، تابع صبلوح، “تمنينا على الرئيس نواف سلام، حين التقيناه منذ أيام، حلّ مسألة السجناء اللبنانيين، وهو أكد لنا أنّه سيولي هذه القضية الاهتمام اللازم وسيكون هناك حل قريباً للسجناء اللبنانيين والسوريين ولمشكلة السجون في لبنان”.
مطالب السجناء
وكان سجناء لبنان أصدروا بياناً عقب زيارة الوفد السوري إلى لبنان، انتقدوا فيه تجاهل الدولة لمعاناتهم وذكّروا بمطالبهم وهي: “تحديد سنوات حكمي “المؤبد” و”الإعدام”، تقليص السنة السجنية استثنائياً لستة أشهر، تخلية سبيل كل موقوف تجاوزت مدة توقيفه الـ “١٠ سنوات” ولا يزال بلا محاكمة، إقرار إلزامية دغم الأحكام وتسليم السجناء السوريين والأجانب إلى بلادهم.” وهدّد البيان باتخاذ خطوات تصعيدية مشروعة في حال تمّ تجاهل مطالبهم”.
إذاً، بين مساعي الترحيل والتصعيد المُحتمل، يقف ملف السجون اللبنانية أمام مفترق خطير، إما عدالة شاملة تعيد الثقة بالقضاء وتُنهي معاناة السجناء، أو انفجار إنساني جديد داخل السجون، يعكس فشل الدولة في إدارة أحد أكثر ملفاتها إلحاحاً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() فضل شاكر يطوي معاناة “اللجوء”… وهذا هو مسار محاكمته | ![]() وفاة القاصر مهنّد “جريمة داخل السجن” أم “انتحار”؟ | ![]() توقيف سماسرة يتحكمون بالدعاوى من رصيف قصر عدل طرابلس |