لبنان بين “أرانب” التفاوض ووهم الانتصارات: آن أوان الجرأة السياسيّة!


خاص 20 تشرين الأول, 2025

لا يمكن للبنان أن يظلّ رهينة مصالح إيران وميليشياتها، في وقتٍ انطلق فيه قطار السلام الإقليميّ بسرعة هائلة. الجرأة اليوم ليست في المُكابرة أو الصراخ، بل في اتخاذ قرار سياديّ يضع لبنان في موقع الشريك الفاعل في صناعة السلام، لا التابع في ركب قطار الاستسلام.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

فرضت تطوّرات المنطقة واقعًا جديدًا يضع لبنان أمام استحقاق التفاوض الجدّي مع إسرائيل حول ملفات عالقة. إسرائيل، المنتشية بما تعتبره نصرًا ميدانيًّا، تسعى إلى تكريس أمنها وسلامة مستوطنيها. أمّا لبنان، فيغرق في البحث عن “تخريجة” تحفظ توازنات دوَيْلة حزب الله، مع توعّد المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان بـ”تفجير البلد” إنْ قرّر المسؤولون الانخراط في مفاوضات مباشرة.

لكن ما فات الشيخ قبلان أن المفاوضات غير المباشرة، التي راعت تهديدات الحزب و”انتصاراته”، انتهت بتنازلات واضحة في الحدود البحرية وثروات لبنان النفطية، ناهيك عن اتفاق وقف إطلاق النار “المُذلّ” الذي منح إسرائيل حرية “العربدة” في سماء لبنان واستهداف المقاولين بعد “المقاومين” ومخازن السلاح والأنفاق، والتي يجد فيها شيعة “حزب الله” كما المفتي الممتاز انتصارًا جديدًا.

في ظلّ تصاعد التوترات الإقليمية، لا يجوز للدولة اللبنانية أن تبقى رهينة “انتصارات” الميليشيات. عليها أن تواكب المتغيّرات بعقلٍ تفاوضيّ سياديّ، يحفظ مصالح لبنان من موقع الندّية، لا التبعيّة. فإمّا أن تفرض الدولة شروطها وتحدّ من الانبطاح السياسي، أو تبقى أسيرة إملاءات القوى الراعية التي تمنح إسرائيل مزيدًا من المكاسب بحجّة ضمان استقرارها.

اليوم، يُستدعى لبنان مجدّدًا إلى جولة تفاوض أو مواجهة، مباشرة كانت أم غير مباشرة، فيما أثبتت التجارب السابقة أن التسويات من تحت الطاولة لا تحمي السيادة ولا تصون الحقوق.

لم يكن ترسيم الحدود البحرية ولا اتفاق وقف النار منسجمًا مع الدستور أو إرادة اللبنانيين. كلاهما تمّ بوساطة دولية وبرضا حزب الله على المفاوضات غير المباشرة؛ فتمّ التفريط بحقوق اللبنانيين، ولم يتجرّأ أيٌّ من النوّاب الذين يدّعون السيادة، كما رافضي الإملاءات “الإسرائيلية”، على طلب عرض “الاتفاق” وإطلاع المجلس النيابي، أي ممثلي الأمّة، على ما “اقترفوه”؛ حتى إنّ بعض مطالب القوى السياسية الخجولة جرى إسكاتها !.

تسليط الضوء على تجارب التفاوض “المُذلّة” لا يعني رفض الحلول، بل دعوة الحكومة إلى تحمّل مسؤولياتها وفتح قنوات التفاوض المباشر والصريح، بعيدًا عن وصاية السلاح والتهديد.

فإسرائيل التي حازت غطاءً دوليًا لاستهداف حزب الله، لن تكون كما كانت بعد تراجع حماس وتحرير أسراها من غزّة.

إنّها تفاوض اليوم من موقع المنتصر، وستسعى إلى ترسيخ مكاسبها تحت مظلّة “السلام الإسرائيلي – الأميركي” في المنطقة. الخطر أن يُستدرج لبنان إلى اتفاق يُفرض عليه، ولا يُصاغ برعاية “الدولة”.

على لبنان أن يجمع أوراق قوّته ويعيد وصل اتصالاته مع أشقّائه العرب ومع سوريا الجديدة، استعدادًا لتفاوضٍ من موقع قوّة، يفرض مصالحه لا يستجديها. فالمستقبل لا يُبنى على “أرانب” جديدة ولا على أوهام الانتصار، بل على رؤية وطنية مسؤولة تُبعد شبح الحرب وتُعيد الإعمار وتؤسّس لسلام حقيقيّ يضمن مستقبل الأجيال الصاعدة.

ليس المطلوب بطلًا فرديًا أو رئيسًا يقدّم نفسه فدائيًا على طاولة التفاوض، بل وعيًا وطنيًا يسبق التفاوض ذاته، ويمنع تكرار مسرحيات “الانتصارات” المزعومة.

إسناد الدولة بخطاب وطنيّ واضح يدعم موقفها التفاوضيّ واجبٌ لتفادي “أرانب” التفاوض غير المباشر، وتداعيات مغامرةِ يحيى السنوار التدميرية التي أغرقت لبنان دمارًا ودماءً.

فمن العبث تحميل الدولة كلفة إعادة إعمار الجنوب والضاحية والبقاع، فيما يُعلن قادة حزب الله استعدادهم لإعادة بناء مقاومتهم المُدمّرة.

لا يمكن للبنان أن يظلّ رهينة مصالح إيران وميليشياتها، في وقتٍ انطلق فيه قطار السلام الإقليميّ بسرعة هائلة.

الجرأة اليوم ليست في المُكابرة أو الصراخ، بل في اتخاذ قرار سياديّ يضع لبنان في موقع الشريك الفاعل في صناعة السلام، لا التابع في ركب قطار الاستسلام.

على الرئاسات اللبنانية أن تتّفق على رؤيةٍ وطنيةٍ شجاعةٍ تُنهي منطق الإذلال وتدفع نحو تفاوض مباشر من موقع قوّة، يحفظ أمن لبنان وأرضه، ويصون مكانته في مستقبل المنطقة وسلامها.

عندها فقط، يُمكن للبنان أن يتحرّر من أسر “أرانب” دويلة الحزب، ويستعيد دوره الطبيعيّ دولةً سيّدةً لا ساحةَ صراعٍ متمادٍ.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us