واشنطن يائسة من لبنان: فلتتصرّف إسرائيل!


خاص 23 تشرين الأول, 2025

ستكون الحرب الإسرائيلية كارثية. ففي الداخل، لا أحد قادر على تجنيب البلد ما ينتظره من خراب، وأمّا في الخارج، فسيكون لبنان في عزلة عربية ودولية، كما كان في حرب العام الفائت.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

سيكون اللبنانيون في غاية الغباء إذا لم يفهموا الرسائل التي تزداد سخونةً وتسارعًا. وإذا كانوا يعتقدون أن ما يقوله توم باراك من نوع “الشطحات” المُبالغ فيها، التي يتميّز بها ترامب وفريقه قبل أن يتراجع عنها، فعلى الأقلّ يمكن للبنانيين التفكير في تطور السلوك الأمني والاستخباري والعسكري الإسرائيلي في الأيام الأخيرة. وبعض هذا السلوك ليس مسبوقًا.

قرّر الإسرائيليون شحن الأجواء اللبنانية بالطائرات المُسيّرة، 24 ساعة على 24، ولا سيما فوق الضاحية وبيروت، وتحديدًا فوق مؤسسات الحكم من السراي إلى القصر الجمهوري. وتركوا اللبنانيين يغرقون في تحليلاتهم: ماذا تفعل إسرائيل؟ هل تقوم باستكمال معلوماتها الميدانية تمهيدًا للحرب الجديدة التي تهوّل بها؟ أم هي تستعرض عضلاتها فقط وتبعث رسائل إلى المعنيين في بيروت: انتظرناكم كثيرًا، أوقفوا المناورات ونفذوا المطلوب؟.

كذلك، يتعمّد الإسرائيليون إبلاغ لبنان بالنار رسائل سبق أن أوصلوها إليه بالدبلوماسية ولم يصدقها، مفادها بأنّه لا مجال إطلاقًا لأي إعمار في المناطق الحدودية، ولا عودة للأهالي إلّا بعد اتفاق على الترتيبات الأمنية. واستهداف التجهيزات الهندسية في المناطق البعيدة عن الحافة، والمحسوبة على الرئيس نبيه بري لا “حزب الله”، كالمصيلح وصور، يشكل تطويرًا في نوعيّة الرسائل: حتّى الأنشطة المدنية ممنوعة هناك، ولو تمّ تجييرها لرعاية بري المصنّف في خانة المُحاور و”الأكثر اعتدالًا”.

وفيما يتمدّد الإسرائيليون خارج النقاط الحدودية الخمس التي يحتفظون بها كلّما دعت الحاجة، جاءت مناوراتهم العسكرية التي تنتهي اليوم في محاذاة الحدود بمثابة إنذار واضح بأنّ إسرائيل ربما تستأنف الحرب الواسعة في أي لحظة. وفي الأيام الأخيرة، تزايدت بشكلٍ لافتٍ تقارير إسرائيل عن محاولات “الحزب” إعادة بناء قواته العسكرية، مقابل تقارير من سوريا عن إحباط محاولات تهريب أسلحة إليه. والمُثير أنّ “الحزب” نفسه يؤكد أنه فعلًا نجح في استعادة قدراته. ويبدو أنّ لكلّ طرف مصلحة في تسريب المعلومات: إسرائيل لتبرير ضرباتها المقبلة، و”الحزب” لاستعادة المعنويات في بيئته، لكن ليس معروفًا مقدار الدقّة في هذه المعلومات وتأثيرها في المواجهة.

المأزوم فعلًا ليس “الحزب” وحده، بل لبنان الرسمي العاجز عن العثور على المعادلة السحرية التي تُرضي إسرائيل من دون أن تستفزّ “حزب الله”. ويحاول أهل الحكم استثمار العلاقة مع الفرنسيين والسعوديين والقطريين لإقناع واشنطن بفرملة الاندفاعة الإسرائيلية المتوقّعة في أي لحظة ضد لبنان. لكن هذا الحراك يصطدم بالحائط المسدود لسببَيْن:

1 – إدارة ترامب مقتنعة برؤية إسرائيل، وهي تؤيّد مطالبتها بنزع سلاح “حزب الله” قبل الانتقال إلى البنود الأخرى في قرار وقف النار. وقد عبّر عن ذلك توم باراك ومورغان أورتاغوس والزائرون الأميركيون غير الرسميين في الأشهر الأخيرة. وتنظر واشنطن إلى قرار نزع السلاح بوصفه ضرورة حيوية لإعادة بناء الدولة اللبنانية، ويجب أن يتحقّق بمعزل عن طلب إسرائيل، وإلّا فإنّ لبنان سيتعرّض لعزلة دولية وعربية قاسية، لا يتلقّى خلالها أي دعم اقتصادي أو سياسي.

2 – ثمّة أمر يجدر بلبنان إدراكه جيدًا، وهو أن من يمسك بالمبادرة الحقيقية في ملف الحرب هو إسرائيل وليس البيت الأبيض. فقد أظهرت كلّ التجارب والتطورات منذ عملية “طوفان الأقصى” قبل عامين أن واشنطن، بالإدارتَيْن الديمقراطية ثم الجمهورية، لم تفعل شيئًا في غزّة ولبنان وسوريا واليمن، وفي إيران سوى مباركة ما يفعله بنيامين نتنياهو ومنحه أعلى مستويات الدعم العسكري والتغطية السياسية ليستكمل الحروب ويحقق الانتصارات. وهذا ما ينطبق اليوم على وضع لبنان وعلى التسوية الحالية في غزة، ولو أن ترامب “يرجو” نتنياهو ألا يعطل هذه التسوية.

وفي الواقع، هناك شراكة وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تقضي بأن يحفظ كل طرف مصالح الآخر ويدافع عنها. فإسرائيل شريكة لواشنطن في ضمان موقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط على حساب محور بكين – موسكو – طهران. والثمن الذي تتقاضاه إسرائيل هو أن تكون واشنطن شريكتها في تحقيق خياراتها الاستراتيجية على جبهات لبنان وغزة والضفة الغربية، ومع سوريا واليمن، وطبعًا مع إيران. ومن هذا المنطلق، لا يمكن للولايات المتحدة إلّا أن تقف مع إسرائيل في أي قرار تتخذه على جبهة لبنان.

إثباتًا لهذا الموقف، جمّدت الولايات المتحدة اجتماعات “الميكانيزم” طوال شهور بعد اتفاق 27 تشرين الثاني، لتسهيل استكمال إسرائيل ضرب مخازن “حزب الله” وأنفاقه ومواقعه وكوادره في جنوب الليطاني وشماله. واليوم، قرّرت إطلاق اجتماعات اللجنة، لكنّها رفعت مستوى رئاستها وباتت سياسية جزئيًا من خلال أورتاغوس التي لطالما عبّرت صراحةً عن دعمها للضربات الإسرائيلية ضدّ “حزب الله” إذا لم يتجاوب مع شرط تسليم السلاح.

في الأيام أو الأسابيع المقبلة، سيواجه أركان الحكم استحقاقًا حتميًا هو عودة إسرائيل إلى التصعيد. وستكون خيبتهم كبيرة عندما يطرح الأميركيون والأوروبيون والعرب سؤالًا وحيدًا على لبنان: “أين برنامجكم لحصر السلاح في يد الدولة، سواء بإقناع حزب الله أو بإلزامه؟” ولن يكون هناك جواب لدى الحكومة اللبنانية. ثم سيقولون لهم: “تعالوا إلى المفاوضات مع إسرائيل وجهًا لوجه وتفاهموا”. لكنّ أهل الحكم سيرفضون التفاوض أيضًا.

في هذه الحال، ستكون الحرب الإسرائيلية كارثية. ففي الداخل، لا أحد قادر على تجنيب البلد ما ينتظره من خراب، وأمّا في الخارج، فسيكون لبنان في عزلة عربية ودولية، كما كان في حرب العام الفائت. وربما تقول الكثير من حكومات العرب والعالم المعنية بلبنان: لا شيء يمكن القيام به في لبنان حاليًا، فلتتصرّف إسرائيل، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us